أكتب هذا المقال ليس فقط دعماً لوزير العمل في قراره رفع رسوم العمالة الأجنبية إلى 2400 ريال بل أكتبه أساساً منتقداً طريقة التعاطي المجتمعي مع القرار أعلاه. قبل أن تغضب عليّ قارئي العزيز، أطلب منك قراءة المقال إلى نهايته. أولاً، أعرف أن مقاربة الموضوع بهذه الطريقة قد لا تعد بنظر بعضهم تصرفاً حكيماً من الكاتب، فأنا أشيد بقرار حكومي محل غضب واسع مما سيجلب حنق القراء عليّ و ربما اتهام بعضهم لي بالنفاق. لكن، من يكتب بنفس نقدي يجب أن يضع باعتباره أنه سيكون محل غضب مختلف أنواع السلطات على مدار الوقت، ومن ضمن هذه السلطات، بل وعلى رأسها، سلطة الجمهور. هذا النوع من السلطة له من السطوة ما يرهب كثيرين عن إغضابه، والشواهد كثيرة عن رجال شجعان، من بينهم فقهاء، تحدوا السلطات الرسمية في مجتمعاتهم لكنهم لم يقدروا على إغضاب الجمهور وجاملوه في أحكامهم وحتى فتاواهم. بالنسبة لي، الخيار واضح فالرائد لا يكذب أهله ومشكلة البطالة المنتشرة في السعودية، والمرشحة للتزايد بشكل رهيب في السنوات القادمة، تمثل قنبلة اجتماعية تهدد كلاً من النسيج الاجتماعي وكرامة الأفراد الذين سيجدون أنفسهم نهباً للفراغ وانعدام الأمل. وأعتقد أن كل طرق حلها موجعة للكل، جميعنا، مؤسسات وأفراد، يجب أن نتوجع من أجل إعطاء فرص العمل لمواطنينا. ثانياً، قرأت أن وزارة العمل، ومعالي الوزير شخصياً، دشنوا حملة علاقات عامة لدعم هذا القرار. إحدى آليات هذه الحملة دعوة عشاء من الوزير لكتاب في تويتر. أحب أن أوضح أن لا علاقة شخصية أو عملية تجمعني لا بالوزير ولا بحملته ولا بوزارته. أكتب بدافع من منظور ذاتي بحت. وهذا المنظور يقول إن مبلغ ال2400 قليل وأن الوزارة يجب أن ترفعه عشرة أضعاف، على الأقل في القطاعات المهنية التي يمكن لها أن توظف سعوديين. لماذا أتبنى وجهة النظر هذه؟ سأشرح. ألاحظ أن أخلاق العمل لدينا شهدت تدهوراً خطيراً في الأربعين سنة الماضية. لعل قصتي مع البيوت التي سكنتها تشرح ذلك. فقد ولدت في بيت طين بنته أيد سعودية خالصة. ثم بنى أبي يرحمه الله وأنا في سنة أولى ابتدائي بيتاً لنا وكان بناؤه مختلطاً، الطين والحجر، الطين بناه سعوديون من سكان القرية والحجر بناه يمنيون. بعد ذلك ببضع سنوات فقط ومع تباشير طفرة منتصف السبعينات الميلادية، اختفت العمالة السعودية من سوق البناء بشكل كامل إلى يومنا هذا. هذا التدهور يتنامى باستمرار، خاصة مع الطفرة التي نعيشها منذ ثماني سنوات. فثمة مهن كاملة كان السعوديون يشاركون فيها إلى بضع سنوات مضت، أصبحت تخلو من أي مسحة وطنية. ولعل البقالات وأسواق الخضار واللحوم والصيانة تحكي هذه الحقيقة. ولقد لاحظت تراجعاً خطيراً خلال السنوات القليلة الماضية في عدد المواطنين من بين سائقي تكاسي المطارات المحلية. لعل الأرقام تشرح هذه القصص الصغيرة بشكل أكبر. في إحصاء 1394 لسكان المملكة، وهو أول إحصاء رسمي، كان عدد الأجانب 791 ألفاً بنسبة %11 من عدد السكان، لعل أكثرهم كانوا يشغلون مهناً تتطلب تعليماً مثل التدريس والطبابة والتمريض والهندسة وخلافه. بعد ذلك بتسعة عشر عاماً، أي في إحصاء 1413، كان عدد الأجانب أربعة ملايين و600 ألف، بنسبة %27 من عدد السكان. في إحصاء 1431، بلغ عدد الأجانب ثمانية ملايين و400 ألف بنسبة %31 من عدد السكان. بكلام آخر، في الأربعة عقود الفاصلة بين أول وآخر تعداد، تضاعف عدد الوافدين أكثر من عشر مرات فيما تضاعف عدد المواطنين ثلاث مرات. لدي أرقام أكثر ألماً. في سنة 2010 وبحسب إحصاءات سوق العمل، يشكل الأجانب %89 من إجمالي القوى العاملة في القطاع الخاص ( تسع وثمانون بالمائة!). وفيما بلغ إجمالي تحويلات الأجانب المقيمين في السعودية سنة 1985 تسعة عشر مليار ريال (بنسبة %10 من إجمالي الناتج المحلي للقطاع الخاص)، بلغت هذه التحويلات سنة 2011 مائة وثلاثة مليارات (بنسبة %18 من إجمالي الناتج المحلي للقطاع الخاص). ماذا يعني هذا؟ ببساطة، يعني أن اعتمادنا على الأجانب يتزايد باستمرار. لا بد من حل. ما هو هذا الحل؟ الحل أن نصمم سوق العمل لدينا على طريقة الأغلبية الساحقة لدول العالم غنيها وفقيرها وليس على طريقة دول الخليج، المتمتعة بالثروة وقلة عدد السكان، فصحيح أننا بلد ثري لكن لدينا عدد ضخم من السكان. لقد عشت سنوات طوال في أمريكا وتنقلت بين ثلاث ولايات، لقد كنت أصلح سيارتي عند الميكانيكي وأستعين بالسباكين والكهربائيين وغيرهما، وكانوا في الغالبية الساحقة مواطنين أمريكيين. بل إن جامع النفايات من الأرصفة كان مواطناً أمريكياً. في نفس الوقت، كانت فكرة العمل خارج الحرم الجامعي مغامرة خطيرة بالنسبة للطلبة الأجانب لأن القوانين مصممة لحماية حق المواطن في فرص العمل. أليس السباك المكسيكي أرخص للمواطن الأمريكي؟ بلى! ولكن من الأفضل أن يدفع المواطن الأمريكي مائة دولار لسباك أمريكي مثله على أن يدفع خمسين دولارا لأجنبي، وإلا لقفزت معدلات البطالة لديهم إلى مستويات لا يمكن إطلاقاً السيطرة عليها. للأسباب أعلاه، أرى أن رسم المائتي ريال شهرياً ليس كافياً، بل لا بد من رفعه أضعافاً، كأن يكون ألفي ريال شهرياً. هل هذا سيزيد الأسعار؟ بكل تأكيد، ولكن من الأفضل عزيزي المواطن أن تدفع مائة ريال لسائق الليموزين المواطن على أن تدفع ستين ريالاً لشركة ليموزين لا توظف مواطنين.