العفو سمة لا يقدر عليها إلا الكبار في نفوسهم وفي مقامهم وفي إيمانهم، وهو من مكارم الأخلاق التي بُعث النبي ليتممها. إن خلق العفو والصفح يؤديان إلى وحدة المجتمع وإلى إشاعة السلام والود بين الناس، وذلك لأن الانتصار للنفس غريزة بشرية وحب الانتقام ناتج عن نزعة في النفس، فلا غرو أن ترى بعض الأشخاص عندما يلحقه الأذى من أحد أول ما يفكر فيه هو كيف ينتقم من الشخص الذي صدر منه الأذى بخلاف من ألهمه الله الحس الإيماني حيث يلجأ إلى تحكيم العقل ومن ثم العفو والصفح، وصاحب هذا الخلق يلزم صاحبه المبادرة إلى التنازل عن حقه ليطوى الجدل والخلاف لتطمئن القلوب وتأنس النفوس. وفي هذا السياق نذكر ثلاث كلمات: المغفرة والعفو والصفح، وقد أجمع أهل العلم أن المغفرة: هي ستر الخطأ وترك معاقبة المخطىء وهي مختصة بالله وحده جل جلاله. والعفو: ترك معاقبة من يستحق العقوبة مع القدرة عليها، ومحو الخطأ عن سجله. أما الصفح: فهو الإعراض عن ذنب المذنب وعدم مؤاخذته به كأن لم يكن، وهو أعظم من العفو، لأن فيه التناسي والتجاوز عن الخطأ كلياً، وكما قلت سابقاً بأن العفو من سمات العظماء وقد كان الأنبياء صلوات الله عليهم يلاقون من قومهم صنوف العذاب والبلاء فكانوا يقابلون إساءة المسيء بعفو وصفح، وسيد البشر كان عفوه يشمل الأعداء فضلاً عن الأصدقاء والمواقف عديدة، وعفوه عن قريش في فتح مكة وقوله اذهبوا فأنتم الطلقاء، كذلك يوسف عليه السلام صفح عن إخوته بعد كل ما فعلوا به، وسليمان بن عبدالملك وعفوه عن خالد القسري وغير ذلك من قصص لا تحصى عن عفو الحكام والملوك وغيرهم، وقائد هذه البلاد استهل حكمه بالعفو، وندعو كل المقربين من ولي الأمر مواصلة الجهود الخيّرة لتكون سمة العفو من أعظم سمات عهد الملك الصالح عبدالله وهي سمة لا يقدر عليها إلا الكبار كما ذكرنا آنفاً والملك عبدالله - شافاه الله وعافاه- من الكبار دوماً ونتمنى أن يمضي في هذا النهج تأسياً بمؤسس هذه البلاد الذي عفا عن خصومه حتى أصبحوا أقرب معاونيه وفق ما ذكره سمو ولي العهد في كلمة له في جامعة المؤسس عن منهج الاعتدال، واقتداء برسولنا الكريم ولكسب أجر العفو والصفح العظيم وثوابه الجليل من عند الله، والآية: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين). إن علينا جميعاً مسئولية عظيمة تتجلى في الحفاظ على وحدة هذه البلاد والحفاظ عليها وإحدى هذه المقومات هي العفو والصفح، ولنقتدِ بمن سبقنا ولنبدأ من الآن على المستوى الأسري والمعارف وعلى كافة أفراد المجتمع بكل أطيافه وليكن هذا العام سمته العفو، ولنستقبله بالعفو والصفح. كما قال أحدهم: لما عفوت ولم أحقد على أحد.... أرحت نفسي من هم العداوات.