من ينظر إلى السلفية أنها لا تقبل الآخر، فإن مؤتمر القمة الإسلامية الذي عُقد في مكةالمكرمة أواخر شهر رمضان الماضي، وما نتج عن هذه القمة من دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى تأسيس مركز للحوار المذهبي في العاصمة السعودية الرياض، هو رد واضح وجلي على من يقوم بتوجيه هذه التُهم للسلفية التي هي عقيدة وشريعة الدولة السعودية. قبل هذا بسنوات كانت هناك دعوة سعودية أيضاً لحوار الأديان، ونتج عنها مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي لحوار الأديان، ومن المُنتظر أن يتم افتتاحه بشكل رسمي في نوفمبر المقبل. هذه الصور والمشاهد هي تجسيد واقعي وملموس للرد على كل من يتهم السلفية بعدم قبولها للآخر، وعدم قدرتها على التعايش إلا مع أصحاب منهجها، وهذا الأمر في رؤيتي الشخصية غير صحيح مطلقاً. وهناك شواهد أخرى على السلفية من خارج المملكة، وقد يطول الشرح عنها، إلا أن من يقرأ هذا المقال بإمكانه البحث في هذا الفكر الذي لا يتشدد إلا في أمور العقيدة -وهذا حق من حقوقه- أما التشدد وإقصاء الآخر فإنه ليس سلوكاً سلفياً، بل هو دخيل لتشويه هذا المنهج الرباني النقي. فما دار من جدل مؤخراً في نادي القصيم الأدبي من خلال تصريحات قرأتها على لسان نائب أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن مشعل بن سعود، الذي امتنع عن تدشين الملتقى بسبب رفضه لورقتي عمل عن التحولات الفكرية التي طرأت على شخصيتي عبدالله القصيمي وعبدالرحمن منيف –رحمهما الله- وحجته كما قال: «أنا سلفي ولا أرضى ولا أقبل بمثل هذا الطرح»، هذه الجملة وغيرها طرحت أمامي عشرات من علامات التعجب والاستفهام، فإن كان سموه لا يرضى بهذا الطرح فإن هذا حقه، إنما استخدام السلطة في منع هذا الطرح فهذا ليس من حقه، لأن القصيمي ومنيف، هما شخصيتان وطنيتان امتلأ العالم بكتاباتهما وأفكارهما، وإقصاء هذه الأفكار لن يلغيها، سواء اتفقنا معها أم لم نتفق. بل بالعكس فإن طرح تحولاتهما الفكرية هو درس مهم في الحياة للتعرف على المراحل التي يتغير فيها الفكر، والتغيير طبيعي لعقل متحرك، ويصل إلى الحد غير الطبيعي إذا مر بمشوار من النقيض إلى النقيض، وهذا يحتاج إلى البحث والتعرف لأجل تحصين الفكر، خصوصاً في هذه المرحلة التي يشهد فيها عالمنا كثيراً من التغيرات، ومن ضمنها الفكرية، وإن لم نعد إلى تاريخها وقصصها، ودراسة حالات نماذج من بيئتنا عاشت هذه التجربة، فإننا لن نتعرف على حاضرنا الفكري ولا تغيراته، ولن نتمكن من قياس التأثيرات والأسباب للتحولات الفكرية التي تخرج عن السياق الطبيعي. ما كنت أتمناه من سمو الأمير أن لا يُلصق هذا الإقصاء ورفض المعرفة بالسلفية، لأن هذا مدخل لكل من أراد وصف هذه العقيدة النقية بالتشدد مع الآخرين، وما زلت أؤكد أن الجانب المتشدد في السلفية هو في عقيدة التوحيد والعبادات، وليس بالعلم والمعرفة وقبول الآخر والتعرف على التجارب للعظة والعبرة!