في الربيع العربي، لم تعد الجرأة الحقيقية الحديث عن الحكام، فالكل بإمكانه أن يتحدث وينتقد. لكن من الواضح أن لا أحد لديه الجرأة على مواجهة الغوغاء والدهماء من خلال مطالبهم المستحيلة. وهكذا أصبحت الفضاءات مفتوحة، كل إنسان بإمكانه أن يطرح نظرياته الجديدة في السياسة والحكم والمجتمع والاقتصاد. وعلى النخب أن تجامل هؤلاء الغوغاء، وأن تطبطب عليهم، وأن تداهنهم، وأن تتقبل كل ما يقولونه رغم أنهم لا يقولون شيئا مفيدا. الدهماء في العالم العربي، إذا لم يعجبهم حكم قضائي ولن يعجبهم يرتفع صوتهم، ولعلهم قريبا سيثورون حتى على الطقس وعلى ارتفاع درجة حرارة الشمس. وهكذا أوجد الربيع العربي، نمطا لا أحد لديه الطاقة والجرأة على الكلام عنه، ألا وهو خطاب الشارع المأزوم بسبب الأمية والجهل، فتراه يتحدث بطفولة لافتة، وترى كثيرا من الإعلاميين والمثقفين يصفقون لهم، وهم في قرارة أنفسهم يدركون أن هذا تهريج. وبعض الأحزاب، التي وصلت للحكم، كانت تجاري هذه الموجة، فلما استقر لها الأمر أرادت أن تعيد الأمور إلى نصابها لكنها لم تستطع، ولن تستطيع، فقد أخذ الغوغاء شرعيتهم، ويبدو أن الأمر يتطلب وقتا طويلا حتى تستقيم الأمور وتستقر بالشكل الذي يجعل ثمرات الربيع العربي الموعودة تصبح حقيقة قائمة. والأقرب أن الأمر سيتحول إلى مجرد خيبة تضاف إلى الخيبات العربية المتكررة.