في مثل هذا اليوم من عام 2001، وفي تمام الساعة الثالثة عصرا بتوقيت جنوب أفريقيا، تلقيت اتصالا من السفير السعودي يطلب مني أن “أدير الريموت" على قناة “سي إن إن" من دون أن يذكر لي أي تفاصيل أخرى! سارعت حينها إلى التلفزيون، فتحت القناة وصدمت من هول المشهد وفداحته! لقطات لن ينساها العالم على مرّ التاريخ، فهي بحق مشاهد استثنائية مرعبة، غيرت من نمط التفكير العالمي مع بداية الألفية الثالثة. وشُنت بعد هذا العمل الإرهابي، حربان الأولى على أفغانستان والثانية على العراق من دون تحديد هدف دقيق من هاتين الحربين. ولكن لا شك فإن الولاياتالمتحدة الأميركية كانت تريد أن تثبت للعالم أنها ما زالت قوية وقادرة على مطاردة أعدائها، حتى لو كلفها ذلك مليارات الدولارات! كما أن جورج بوش الابن كان بحاجة إلى معجزة ليستمر في الرئاسة، وهو ما جعله يتخذ قرارات سريعة وجريئة من أجل حفظ هيبة الأمة الأميركية كما يقول، فما الذي حدث بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على ذلك الحادث المؤلم؟ حدث أن القيم العالمية اختلت والتوازنات تغيرت، وتفرد الولاياتالمتحدة بقيادة العالم زاد خلال العقد الماضي، بالإضافة إلى تدمير دولتين من دون مبرر حقيقي يستدعي ذلك التدمير، وهو ما تبين بعد زوال إدارة الرئيس بوش الابن، والتي ثبت أنها مارست تضليلا عالميا لشن تلك الحروب، وبالذات الحرب العراقية بحسب اعترافات كولن باول وزير الخارجية الأميركي الأسبق في كتابة “دروس في القيادة والحياة". اسامة بن لادن المسوغ السياسي لشن حرب في ذلك التوقيت مفهوم لدى الساسة، لكن يبقى أن المسوغ الأخلاقي غير ممكن، لاسيما من دولة تقود العالم من خلال سنها لأنظمة أخلاق عالمية، لقد كان العقد الماضي أسوأ عقد في مجال حقوق الإنسان في الولاياتالمتحدة، فسجون أبو غريب وغوانتنامو، كانت بمثابة فضيحة عالمية وتدهور أممي في مجال حقوق الإنسان، ولكون الولاياتالمتحدة قائدة العالم الحديث، فمن الطبيعي أن يكون العالم أكثر سوءا بسبب ممارساتها أحيانا. أحداث سبتمبر، المدانة والتي لا مبرر أخلاقيا لها، لم تتوقف عند هذا الحد، بل جعلت الإدارة الأميركية تطلق مشروع الشرق الأوسط الجديد من خلال تعزيز برامج الديمقراطية والحريات، للحد من ظواهر التطرف في الدول النامية التي تمارس القمع على مواطنيها، مشروع بشر به جورج الابن، واختفى بعد نهاية ولايته الثانية، لكنه عاد إلى الواجهة من خلال أحداث عفوية انطلقت في الشرق الأوسط، لترسم له ملامح جديدة، وكأن الحال يقول إن ما كان أمنية يحتاج إلى تدخل واضح في بعض الدول من قبل أميركا، أصبح اليوم وبإرادة شعبية، واقعا حقيقيا ومن دون تدخل واضح. أحداث سبتمبر ارتبطت بشكل وثيق باسم أسامة بن لادن، واستمر هذا الارتباط لما يقارب العشر سنوات، حتى كان صباح الاثنين الموافق 2 مايو 2011، عند الواحدة والنصف صباحا وفي مدينة “إبت آباد"، حيث سمع دوي أربع طائرات هليكوبتر في سماء المنطقة اتجهت نحو مبنى مؤلف من طابقين، لا يبعد أكثر من تسعين مترا عن مقر أكاديمية عسكرية. وكانت الطائرات الأربع انطلقت، وعلى متنها فريق من القوات الخاصة في مشاة البحرية (سيلز)، تقول بعض المصادر إن قادة الفريق الميداني فقط، كانوا يعلمون من هو المستهدف في هذا الهجوم. في ذلك اليوم، بعدها أصبح العالم على خبر مقتل بن لادن، واختفى لغز سبتمبر معه عندما قررت الإدارة الأميركية في لحظة أن تغلق هذا الملف بطريقتها الخاصة. قتل بن لادن وبقي الظواهري ذو التأثير والكاريزما المحدودة، وطويت صفحة سبتمبر وبقيت “القاعدة"، التي انتقلت من قيادة هرمية إلى خلايا عنقودية خامدة مع رياح “الربيع العربي"، الذي بالإمكان أن يقضي عليها أو أن يعيدها بشكل أقوى، إذ أنه من الصعب التنبؤ بالسيناريو المقبل، قبل اتضاح صورة عمل الحكومات الجديدة وتعاملها مع ملفات الإرهاب والبطالة وحقوق الإنسان.