في شهر رمضان المبارك بدأ العد التنازلي لنظام بشار، وارتفعت معه وتيرة المجازر التي يرتكبها ضد الشعب السوري المكلوم، مع أن النظام قرر أن يواصل إفطاره في نهار رمضان، ومائدته البلدات السورية. وإذا كان مشروب السوريين المفضل على مائدة الإفطار قمر الدين، فإن مشروب النظام قمر بلا دين ولا مروءة ولا رحمة، النظام اختار مجازره في حلب وريف دمشق وبقية مناطق سوريا لتكون إنذاره المبكر بعقده العزم على تكبير لقمة إفطاره ومذابحه حتى يحتفل يوم العيد بطريقته، وليثبت أن الذي لم يكترث بحرمة الدماء لن يكترث أبدا بحرمة الشهر الكريم. رمضان في حسابات النظام أوله «مشبحة» وأوسطه «مذبحة» وآخره «قذف في النيران». شهر المذابح للنظام السوري ليس له هلال واحد يشاهده ليقرر الصوم، بل 25 مليون قمر هي عدد أفراد الشعب السوري، كلما طلع قمر سوري يطالب بكرامته الإنسانية وفك القيد عن حريته قال جلاوزة النظام: أهل علينا باستحقاق الظلم والطغيان. وعند الإفطار وحين ينجحون في قتل سوري شجاع، يتمتم كل جلاد: على رزقك يا زعيمنا أفطرنا، ذهب الظمأ من تعطش الدماء وابتلت العروق من سيلانها، وثبت الأجر والأعطيات والبخاشيش، إن شاء الزعيم. في رمضان تصفد شياطين الجن، إلا في سوريا، فشياطين الإنس من قوات الزعيم والشبيحة تنطلق بلا أصفاد، والفرصة مواتية، إذ إن فرصة النظام في الأشهر الأخرى لمواجهة الناس وقتلهم وسفك دمائهم هو يوم الجمعة، وأما في رمضان فتجمع التراويح اليومي كأنه جمعة يومية، فرصة ذهبية لا تقاوم لتقديم القرابين لماهر ودراكيولات الدماء السورية. كل المسلمين يتلون آيات القرآن في هذا الشهر الكريم، وجلاوزة النظام يتلون كتاب البعث المقدس آناء الليل وأطراف النهار يرتشفون منه ما يملأ قلوبهم من خشية النظام، يرجون مغفرته ويخافون عذابه. المعذرة أنا قلت البعث؟ أي بعث؟ حزب البعث السوري أكبر خدعة ماكرة انطلت على العالم، البعث غلاف تسجى به النظام ليخفي طائفيته، وإلا كيف يكون هذا التحالف الوثيق العرى لحزب خصمه الدين، مع ملالي الدين الإيراني؟ وأن يكون الراعي الرسمي لقائمقام إيران في لبنان حزب الله وسيده نصر الله الذي وإن لبس الجبة والمشلح والعمامة، فقد عرته الانتفاضة الشعبية السورية، فأظهر مرغما مواقفه المخزية من شعب يتعرض لأبشع أصناف التقتيل والتعذيب. الشعب السوري قدم ملحمة باسلة على الثرى السوري مع أن أمد انتفاضته طال، وتحمل من دموية النظام وقسوته وجبروته ما لو وضع على جبل لانصهر، ولا يلام لأن التراجع في هذه المرحلة معناه أن يستفرد الجزار بالضحية، فليس ثمة طريق سالك غير المواصلة، لكن هذا لا يكفي وحده، الشعب السوري هذه الأيام في أشد الحاجة إلى المال والسلاح، ومع تراخي قبضة النظام لم يعد لأحد حجة في تسريب السلاح، ومع تزايد حدة القتال في هذه الأيام المباركة صارت ذخيرة الثوار السوريين تنفد. قرأت تغريدة للجيش السوري الحر يقول فيها «عندما نعلن انسحابنا من أي موقع بسبب نفاد الذخيرة فليعلم العرب المتفرجون أن ذخيرتهم من النخوة قد نفدت». «صمتكم يقتلنا» صرخة استغاثة مدوية وبليغة أطلقها الشعب السوري لم تجد لها في العالم العربي آذانا صاغية، آن الأوان لتحرك جاد يجبر النظام على الصيام عن دماء شعبه وأن يصفد شياطينه مع كبيرهم الذي علمهم الشيطنة. *نقلاً عن "الشرق الأوسط" الللندنية.