لم يكن المفكر عبدالله القصيمي يعلم عندما كتب كتابه المثير للجدل “العرب ظاهرة صوتية" أن العصر الإلكتروني بعد أكثر من نصف قرن سيحقق مقولته، فالقصيمي تحدث بأسلوب صارخ وحاد محذرا من أن طريقة حياة الأمة العربية ومنهجها الفكري يجعلها تابعة لا متبوعة وتحتاج إلى نهضة فكرية لعقول أفرادها وهممهم حتى يسيروا في ركب الأمم المتطورة، ومع كل النقد الذي وجه للقصيمي ولكتابه هذا تحديدا من أنه بالغ في سوداويته وخطابيته وافتقاده إلى روح البحث والتحليل والدراسة الموضوعية فإن عبارته “العرب ظاهرة صوتية" طارت في الآفاق وانتشرت بين الناس حتى الذين لم يقرأوا الكتاب الذي لم يكن مفسوحا ومن الصعب الحصول عليه، وجاءت الثورة التكنولوجية لتجعل كتبه متاحة بين أيدي الناس مجانا وبضغطة زر، كما أن ثورة الاتصالات بدأت تعطي أدلة رقمية على طرحه في هذا الكتاب الذي أخذ عليه أنه يطرح عموميات دون أدلة أو إثباتات، إذ ذكرت هيئة الاتصالات السعودية أن فاتورة اتصالات السعوديين للعام الماضي فقط 2011 بلغت أكثر من 65 مليار ريال، أي أن الناس في السعودية تكلموا بقيمة هذا المبلغ، ولا أدري هل تضمن التقرير عدد الساعات التي تكلم فيها السعوديون عبر الهاتف في سنة أو شهر أو يوم؟ وكم يبلغ متوسط الساعات التي تحدث فيها كل شخص حسب فئته العمرية إذا فرزنا الأطفال وكبار السن وبعض ذوي الاحتياجات الخاصة من النسبة العامة، ثم إذا سحبنا هذه الأرقام على العالم العربي وحسبنا الأرقام المليونية لمشتركي الاتصالات ومستخدمي الإنترنت وتويتر والفيسبوك وغيرها وهي جميعها معروفة ومعلنة هل نستطيع أن نقول للقصيمي: نعم نحن ظاهرة صوتية بعد أكثر من نصف قرن على كتابك؟ وإذا كنا تعلمنا سابقا أن الإنسان لا بد أن يستمع أكثر مما يتكلم ويقرأ أكثر مما يكتب فإن شيوع الثقافة الأفقية جعلنا جميعا نتكلم دون أن نكلف أنفسنا عناء البحث عن مستمع، وجميعنا يكتب على جهازه ويرسل دون أن يفكر فيمن يقرأ ذلك حتى بدأت أشك في أننا نكتب لأنفسنا ونتحدث للفضاء السايبروني والسحابة الإلكترونية.