ما إن تناقلت مصادر الأنباء خبر تخلي شابة سعودية عن دين الإسلام واعتناقها الديانة المسيحية، حتى طارت التعليقات ما بين ناف للخبر ومؤكد، ولائم ومتهم، وانقسم الناس في تفسير ما حدث إلى آراء مختلفة، منهم من يرى أن ما حصل لتلك المرأة ما هو إلا نتيجة المبالغة في القمع والكبت الذي تجده النساء داخل بلادهن باسم الدين، ومنهم من ينكر الخبر ويراه مجرد أكذوبة وأن المرأة المذكورة ليست سعودية وإنما هي تدعي ذلك كيدا للمملكة، ومنهم من اعتراه الغضب لأنه يرى أن ما حدث ثمرة خروج النساء من بيوتهن وعملهن مع الرجال، ومنهم من عد ذلك دليلا على وجود تآمر ايديولوجي ضد المسلمين لإخراج شبابهم من دينهم، وأن هذه المرأة تنصرت بعد أن وقعت في حبائل شبكة تنصيرية تعزف ألحان دعوتها على أنغام الحرية والانفتاح والتسامح والمحبة، فهي تزرع في خيالات الشباب صورا جذابة للحياة عند ترك الإسلام واعتناق النصرانية. اختلفت التفسيرات وتفاوتت ردود الأفعال، لكنها جميعها تعبر عن الدهشة لهذا الحدث والذعر من أن تتكاثر لدى الشباب حالات الارتداد عن الدين. ولكن، إن صح خبر هذه المرأة فإنه ليس مبررا للخوف. لم نخاف أن يرتد أبناؤنا عن دينهم متى تعرضوا لمن يغريهم بذلك، ونحن نعرف أنهم قضوا الجزء الأول من حياتهم منغمسين في دراسة العلوم الدينية وحفظ القرآن والانضباط في أداء الصلاة وسماع المواعظ يتلوها على آذانهم خطباء المساجد وأئمتها! إننا نعرف هذا، فلم نقف اليوم مذعورين نضع أيدينا على قلوبنا خشية أن يخلع أولادنا دينهم الذي ارتضاه الله لهم ويرتدوا دينا غيره؟ إن من كان مطمئنا إلى حصانة أولاده الإيمانية وواثقا من طمأنينة قلوبهم بالدين ليس له أن يخشى نزوعهم عن دينهم لمجرد أن مبشرا نصرانيا دعاهم إلى ذلك، إنما يخاف من كان أساس أولاده الديني سطحيا هشا يعلم أنه قابل للانهيار عند أول نفخة. فهل خوفنا دليل على شكنا في متانة الحصانة العلمية التي حقنا أولادنا بها منذ نشأتهم الأولى؟ هل نحن نشك في فاعلية تعليمنا وقوة تأثير خطب ومواعظ دعاتنا، لذلك يتلبسنا الذعر من انفلات أولادنا من بين أيدينا؟ أم ترانا نشعر في أعماقنا أننا حقا أفرطنا في مقدار المصل الذي حقناهم به فضيقنا الخناق عليهم بكثرة الحرمان والحظر حتى باتوا صيدا سهلا لأول طارق يلوّح لهم من بعيد بنسمة هواء محملة بالمسرات وخيوط الحرية؟ كم نحن في حاجة إلى أن نعيد حساباتنا وأن نراجع أسلوب تربيتنا لأولادنا، فقد باتوا ما بين تطرف ديني يوقعهم في الكراهية والعداء ويحيلهم إلى قتلة وسفاكي دماء، وتطرف ديني يضيق عليهم الخناق ويسد عنهم منافذ الهواء والنور فيفرون منه ليقعوا في شباك المتصيدين فرائس ميسورة.