شكت إمرأة إلى أحد الدعاة من أن لها زميلات في المكان الذي تعمل فيه غير ملتزمات بالاحتشام في زيهن وسلوكهن أثناء العمل، فنصحها بترك العمل، قالت: حتى وإن كنت أعول أسرتي؟، قال: حتى وإن !!. ليس هذا فحسب، بل إن هذا الداعية يطالب وزارة العمل أن تحظر عمل النساء متى كان خارج الدائرة النسائية المحدودة!!. هذا هو مفهوم الإصلاح عند البعض، مطالبات بالحظر والمنع والتقييد، ومعاقبة الجميع بجريرة الآحاد!!. ما ذنب هذه المرأة المعيلة لأهلها أن تفقد عملها لمجرد أن بعض زميلاتها غير محتشمات؟، بعض زميلاتها يخطئن، وهي التي تدفع ثمن خطأهن!، ما ذنب بقية النساء العاملات اللاتي لم يخرجن عن آداب السلوك كي تحرض وزارة العمل على منع السماح لهن بالعمل؟ على أية حال، لن أستطرد هنا في الحديث عما سيؤول إليه مصير تلك الفتاة متى سمعت نصح الشيخ وتركت العمل لتبقى هي وأسرتها في معاناة وطأة الحاجة وذلها ومرارتها. سأكتفي بقصر الحديث على معنى الإصلاح الأخلاقي كما يفهمه بعض المصلحين لدينا. بعض المصلحين وربما تكون الأغلبية منهم، يؤمنون أن الإصلاح الأخلاقي يتحقق من خلال إيجاد قوة رادعة تنتصب خارج الذات كي تحول بين الإنسان ووقوعه في الخطأ، خاصة متى كان هذا الإنسان (أنثى)، فكثير من المصلحين يرون أن انضباط سلوك المرأة يتحقق عن طريق فرض القيود المانعة والمكبلة لحركاتها وتفكيرها وقراراتها، سواء بيد أسرتها أو بيد الجهات الرسمية ذات السلطة في المجتمع!!. مصلحون كهؤلاء فاتهم معرفة الجانب الأقوى والأبقى في تقويم الأخلاق، وأعني به إصلاح الذات من الداخل، بحيث يكون الضبط الأخلاقي نابعا من ذات الفرد وليس مفروضا عليها من خارجها، فمهما وضعت من ضوابط وسنت قوانين وحددت لوائح، فإنها تظل محدودة النفع لأن التقيد بها غالبا يكون محصورا في نطاق الخوف من العقوبة ومتى أمكن الانفلات من العقاب فقدت تأثيرها الرادع ولذلك قيل: (من أمن العقوبة أساء الأدب)، فإساءة الأدب عند غياب العقوبة برهان على أن إصلاح السلوك الأخلاقي عن طريق قوة المنع والحظر المفروضة من خارج الذات ما هو إلا إصلاح زائف ما يلبث أن يزول عند غياب القوة التي فرضته. أما الإصلاح الحقيقي فهو ذاك الذي يعنى ببناء سلطة داخلية تنبع من أعماق الذات نتيجة قيم أخلاقية يتبناها الفرد ويضيره أن يتخلى عنها وجدت العقوبة أو غابت، فتصير معاييره الأخلاقية التي يؤمن بها هي التي تضبط سلوكه وتحدد مسار أفعاله. لكنه النوع الأصعب والأعسر من الإصلاح فهو يتطلب الصبر والمعرفة الواسعة بالطبيعة الإنسانية، وقبل ذلك توفر الرغبة الصادقة في الإصلاح وليس مجرد كسب لقب مصلح.. الإصلاح الذي لا يرى له دورا سوى الهجوم والاتهام والمنع والتقييد لايستحق أن يسمى إصلاحا.