الخطر الإيراني، المد الصفوي، النفوذ الفارسي...، عبارات ترددها النخب والعامة على حد سواء، وغصت بها وسائل الإعلام. حتى إنني لا أخفي عليكم أصبحت أتجاوز المقالات التي تحمل عناوينها اسم «إيران» مظنة تكرار النظرة السائدة عن هذا البلد المثير. اليوم دعونا نشارك القوم الحديث ولكن بسياق مختلف، فبغض النظر عن تاريخ فارس القديم لم يستطع الفرس السيطرة على مقاليد الحكم في إيران في العصر الحديث إلا في عشرينيات القرن الماضي بعد تغلب أسرة البهلوي على القاجاريين الترك. إذ إن الفرس والأذريين الترك يتقاسمون القسمة الديموغرافية الكبرى في البلد فضلا عن العرب والكرد والبلوش وبقية القوميات المتعددة، فالإحصاءات الرسمية تفيد بأن نسبة الفرس52% أما الجهات الأخرى كمعارضة القوميات الأخرى تؤكد أن نسبة الفرس لا تتجاوز 36% فيما ثلث السكان هم من الترك، وبالمناسبة فإن المرشد الأعلى علي خامنئي ينتسب للعرقية التركية (الأذرية) ومهدي كروبي الإصلاحي ينتمي للور(أقلية كردية). فبالرغم من تعدد القوميات إلا أنها مهمشة اقتصاديا وثقافيا وتعليميا من قبل السلطة الإيرانية، الأمر الذي يعكس عدم الاستقرار الاجتماعي جراء الافتقار للمساواة والعدالة في البلد. أما لماذا نشأت حالة الغبن لتلك القوميات؟ فذلك يعود إلى الطريقة التي وصلت بها الطغمة الحاكمة لسدة الحكم، إذ نجح الخميني في السيطرة على مسار الثورة التي بدأت بالاحتجاجات العلمانية واليسارية في البلد، فهمشت تلك التيارات وأعلن عن ولاية الفقيه وأقصي شريعتمداري الذي كان لا يرى ولاية الفقيه. فطريقة الوصول للحكم فرضت الحالة الأمنية والإقصاء الثقافي والاقتصادي على المخالفين. وحتى الذين يتعصبون للنظام الحاكم وآليته فلا تتجاوز نسبتهم 16% الأمر الذي يؤدي إلى سيطرة العقلية الأمنية على النظام. أما بقية السكان فيتسمون بالانفتاح، فهناك أكبر سوق سينما في آسيا بعد الهند، وهناك أكبر نسبة إجراء عمليات تجميل للأنف! وفي المجال الاقتصادي ليس الوضع أفضل حالا فنسبة الفقراء تجاوزت 20% من مجموع السكان. والتضخم تجاوزت نسبته 26%، ناهيك عن انخفاض الأجور وزيادة الأسعار ، الأمر الذي يجعل الأوضاع في تردي مستمر، فعلى سبيل المثال رواتب المدرسين هناك لا تتجاوز 300 دولار! والبطالة تجاوزت بحسب الإعلان الرسمي 11%. وعلى مستوى السياسة الجميع ربما يعرف فضيحة «إيران-غيت» التي كشفت التعاون العسكري مع أمريكا وإسرائيل، والتي راح ضحيتها رجل الدين مهدي هاشمي شقيق صهر حسين منتظري، وفضيحة تصدير الفستق لإسرائيل. فضلا عن البراغماتية في استغلال المذهب لتوسيع النفوذ. (انظر:التحالف الغادر لتريتا بارسي. والانقلاب:بيع الوهم على الذات لعلي اللباد). فمع هذه التناقضات والأزمات على ماذا تستند إيران في علو صوتها؟! باعتقادي تستند أولا على استغلال الانكفاء الخليجي وثانيا على التساهل الأمريكي من خلال استخدامها كبعبع؛ كتسليم العراق لحزب الدعوة. لذا لن تتهور إيران في أي مغامرة بالرغم من التساهل الأمريكي لأنها تعتقد أنه كالطعم الذي ابتلعه صدام حسين.