عبدالله ناصر العتيبي - الحياة اللندينة ... لا يريدونه طبعاً أن يأتي حبواً ليستجديهم دعم الاقتصاد المصري، ولا يريدونه في المقابل أن يدير ظهره لهم بالكامل. يريدونه بين ذلك قواما. يريدونه أن يكون معادلاً لهم في ميزان القوة العربية، لا ناصرياً ذا مطامع توسعية كولونيالية تضع القومجي (ربما الاسلاقومجي) المصري فوق روؤس العرب، ولا منكفئاً على مصريته ومقفلاً حدوده على ذاتيته الفرعونية، فتضيع الهيبة العربية! لكن كيف يمكن للخليجي أن يقيّم أداء الرئيس مرسي؟ وهل تكفي المئة يوم الأولى لدخوله المكتب الرئاسي للحكم على كفاءته كرئيس، ولتوقع توجهاته المستقبلية؟ محمد مرسي لم يأت الى المكتب كبديل منتخب لرئيس سابق قضى فترته الأولى أو الثانية في الحكم ثم مضى بعد هزيمته ليعيش بقية حياته في منزله الريفي في ظل وجود دولة ديموقراطية قائمة! هذا الوضع المثالي لم يكن متوافراً في مصر، فمرسي جاء إلى الحكم كبديل منتخب للفوضى وعدم الاستقرار وغياب مفهوم الدولة المدنية الحقيقي، وبالتالي فهو يحتاج لأكثر من مئة يوم ليؤسس دعائم قوية وصالحة لدولة جديدة بالكامل. الآن كل خطوة في مصر تحتاج إلى ممانعة فجدال (يطول أو يقصر) فقبول أو رفض، فتنفيذ أو حفظ، ابتداءً بالقسم الرئاسي، ومروراً بكتابة الدستور، وليس انتهاءً بتعيين رئيس ومجلس الوزراء، وبالتالي فإنه يجب الصبر لأكثر من مئة يوم لتقييم الحالة الرئاسية، وعلى من يريد الخروج برؤية واضحة لمستقبل مصر «الإخواني» أن ينتظر سنتين أو ثلاثاً أو ربما أربعاً ليكون حكمه أقرب إلى الصواب. عودة إلى سؤال عنوان هذه المقالة، هل على الخليجيين (وبخاصة الحكومات والقوى المدنية والليبرالية) أن يظلوا على موقفهم المبدئي الرافض لوجود «الإخوان» في حكم مصر، والذي أظهره بعضهم جهاراً عياناً في فترة الانتخابات، فيما أخفاه البعض الآخر تحت عباءة المجاملة الديبلوماسية والعلاقات القائمة؟ الإجابة طبعاً: لا، فكما اعترف أحمد شفيق الخصم الرئاسي الرئيسي بفوز مرسي، وأرسل له الأمنيات بحكم مصر حكماً رشيداً، فعلى الخليجيين كذلك أن يُقروا بفوز مرسي، ويبدأوا معه عهداً جديداً قائماً على مبدأ (الصفرية) الذي لا يضع في الحسبان أية أفكار مسبقة. عليهم أن يتكئوا على مبدأ الصفرية معضوداً بفكرة أن «الإخوان» في السلطة غير «الإخوان» في المعارضة، فالأسلحة التي كانوا يستخدمونها في المعارضة لا يمكن استخدامها الآن في السلطة. عداء أميركا ومفهوم الخلافة والامتداد في داخل دول الجوار والكفر بالمواثيق الدولية التي يتناقلها «الإخوانيون» المعارضون كابراً عن كابر، كلها من أدوات كسب الجماهير المعروفة، كلها أدوات (معارضاتية) تستهدف فقط إضعاف السلطة القائمة عبر بعث رسائل عاطفية لا علاقة لها بالواقع على الأرض، لكنها لا تستقيم مع أية سلطة في موقع الحكم لأسباب عدة، تأتي على رأسها مخالفة السنن الاقتصادية الكونية التي تحرك عجلات مركبة العالم! «الإخوان» إذاً في الحكم... حقيقة قائمة، ولا مجال لإنكارها أو التعامي عنها، فماذا نريد منهم؟ هي أربع ملفات رئيسية وبضع ملفات فرعية، لكنني سأتحدث هنا عن الملفات الرئيسية فقط. الملف الأول يتمثل في علاقة مصر بإيران. كخليجيين لا نريد مصر أن تكون عوناً لإيران علينا، لكننا أيضاً لا نستطيع أن نطلب منها أن تقطع علاقاتها كلياً بجارتنا الشرقية، فيما نقيم نحن العلاقات الديبلوماسية والتجارية معها. الحركة التجارية القائمة الآن بين إيران وبعض الدول الخليجية تفوق في حجمها السنوي ربما حجم التبادل التجاري المصري - الإيراني عبر عمر علاقتهما الطويلة، والزيارات المتبادلة بين المسؤولين الإيرانيين والخليجيين على أعلى المستويات قائمة رغم التصاريح الخلفية المثيرة، وبالتالي فإن من المعيب أن نستكثر على مصر علاقة متوازنة مع إيران تضع الصالح المصري في المقام الأول. لا يجدر بنا أن نرى بعين الريبة أي تقارب مصري - إيراني، لكننا في المقابل نريد تأكيدات «إخوانية» بترجيح العلاقة الخليجية على العلاقة الإيرانية كما فعل وزير خارجية المجلس العسكري بُعيد إسقاط نظام حسني مبارك. الملف الثاني يتمثل في عدم التدخل «الإخواني» في الشؤون الداخلية لدول الخليج. «الإخوان» من خلال عقيدتهم التي ترعرعت ونشأت في ظل المعارضة يرون أن الارتباط «الإخواني» في مختلف الدول العربية مسألة واجبة التنفيذ ومزدوجة الاتصال، وهذا الأمر بالذات هو ما يقلق دول الخليج، وعلى الإخوة في مصر إذا أرادوا أن يبعثوا تطمينات تتناسب مع الحال الجديدة لهم، أن يعلنوا بطلان إجراءات تنظيمهم السابقة التي تتطلب من رعايا الدول الأخرى أن يعقدوا البيعة للمرشد العام في مصر. الملف الثالث يدور حول العلاقة التركية - «الإخوانية». الخليجيون يريدون فقط أن يطمئنوا الى عدم تلاقي الرغبة في إحياء الخلافة العثمانية مع الهوى «الإخواني»، وهذه أيضاً تتطلب وجود ضمانات تحترم وجود وبقاء الكيانات الموجودة على الخريطة العربية حالياً. أما الملف الرابع فيتمثل في عدم الانحياز لأحد طرفي النزاع في القضية الفلسطينية، وترك الفلسطينيين يقررون أي الفريقين صالح لهم. التوافق الايديولوجي «الإخواني» مع حركة «حماس» لا يجب أن يدفع السلطة في مصر إلى تعقيد الموقف الفلسطيني من خلال إقصاء حركة «فتح» من المشهد الفلسطيني، وبالتالي إيجاد حالة اشتباك عربي فوق أجواء القضية الفلسطينية. ومن الخيط الأخير لهذه المقالة يمكنني نسج محرمة الختام، والتي تنص ألوانها على التالي: أيها الخليجيون، لا تتركوا مصر بلا داعم في الوقت الحالي، فتذهب للبحث عمّن ينقذ اقتصادها حتى ولو كان في شرق الخليج كما فعلت «حماس» من قبل!