هكذا كان يفتي أحد شيوخ المفكر العراقي د. طه جابر العلواني، حيث كان يُعدُّ كل من يستبيح حلق اللحية كافرًا، ومن يحلقها مع الإيمان بالتحريم فاسقًا، وله آراء وفتاوى أخرى، حيث كان يعتبر وضع تغطية الرأس بعمامة أو قبَّعة أو «غترة» واجبًا، والحاسر لذلك الغطاء فاقدًا للمروءة، لا تُقبل شهادته، وكان يرى لبس البنطال أو البذلة الأفرنجية تشبُّها بالكفَّار، أما الصور ذوات الأرواح فلم يكن يقول بمجرد تحريمها، بل كان يأمر طلاب المرحلة الابتدائية أن يحملوا «المقصَّات» في جيوبهم، ويقطعوا الصور الموجودة على الأغطية والفُرش! هذه الفتاوى وغيرها يرويها المفكر د. طه العلواني، في الكتاب الذي يحكي سيرته، من مطبوعات (مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي) ببيروت. قد تبدو بعض هذه الفتاوى غريبة في زمن مضى، وشبه معدومة في زماننا، إلا أنه في زمن د. العلواني نفسه عام (1952م) عند تخرجه في المرحلة الابتدائية على يد شيخه الفالوجي -صاحب الفتاوى-، انتقل إلى المعهد الديني ببغداد، ودرس على علمائها الذين كان من أبرزهم الشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ قاسم القيسي، والشيخ الآلوسي، وكانت آراؤهم الفقهية والفكرية مختلفة تمامًا في الزمان نفسه الذي كانت تصدر فيه تلك الفتاوى!! حتى إن العلواني بدأ يسأل نفسه في تلك المرحلة: من هو المصيب؟! وعند تخرجه في المرحلة الإعدادية، ودراسته الثانوية في الأزهر، تعلَّم كيف تُنْشَأ المذاهب، وكيف تُدرَّس أصول المسائل، وتمكَّن بعدها ورسخ في العلوم والأصول، حتى صار أحد رواد الأمة. إن الكثير من قناعات الناس الشرعية والفكرية يغيرها واقع المجتمع، وفرصة القراءة الواعية، والتفكير في بيئة مناسبة.