كتبت بدرية البشر بأسى واضح عن إيقاف محاضرتها عن «أخلاقيات الإعلام الجديد» في جامعة قطر، فهي لم تركض وراء إقامة المحاضرة، ولم تعتقد لوهلة أن قطر، حاضنة «الجزيرة» و«الرأي والرأي الآخر» وما لا يحصى من البرامج والندوات التي ناقشت أسخن القضايا وأعتاها، يمكن أن تنحني أمام ثلة جامعية ذات فكر ما أو مرجعيات ما، (هذا حقها المطلق) لكنني أشك في أنها تقرأ الأدب قراءة صحيحة، أو أنها قادرة على مقارعة الرأي بالرأي في ساحة حوار عادلة. جاهدت بدرية في السنوات الأخيرة، عبر كتبها ومقالاتها المنتظمة، نبش القضايا المسكوت عنها، وأزاحت الغبار المتراكم فوق الكثير من المسلمات التي كرستها المؤسسات الرسمية، وناطحت شخصيات وسياقات دينية واجتماعية وتربوية في سياق سعيها الدؤوب عن الحقيقة، وقد بلغ صوتها الجميع، وكان عادلاً أن تُكافأ بجائزة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عن جملة مقالاتها، لكل هذا فقد بدا اعتذار قطر عن محاضرتها موقفاً يعاكس طبيعة دولة يتصاعد فيها منسوب الحرية! هذا الموقف الغريب ينسجم، بنظري، مع ظاهرة فريدة، وهي أن النخب الثقافية والفكرية فيها هي الأقل تواصلا، بل أن هناك ما يشبه العقد المضمر على استضافة الجميع من كل الأقطار العربية في ندوات وملتقيات مخصصة لدراسة وبحث كل الشؤون العربية بما فيها قضايا الخليج المتقدة بالضرورة، لكنك ستجد أن الأقل حضوراً ومشاركة هي النخب الخليجية، رغم أن الحديث مركز على جغرافيتها وكينونتها ومستقبلها، بل أنها حيث تستضيف بعض تلك النخب فإنها لن تجد سوى الأكثر محافظة، أو ميلاً لارتداء مواقف الحكومات، أو ذوي الخطاب المداهن بامتياز والذي يتضمن أخلاق الطاعة التي تمهد للتقرب من السلطان وعدّ الغنائم، كما يعبر د. محمد الجابري. ما نعتقده هو أن الحريات لا تتجزأ، وإذا كنا نعشق الوحدة الخليجية فإنا نعلم أنها تتحقق بالحوار الحر والمعمق بين نخبها الفكرية والاقتصادية والثقافية، وهو حوار لا يقل أهمية عن حوار الصالات المغلقة، فمن شأن مثل هذا الحوار أن يؤسس للتكامل الخليجي المنتظر. ما تطلبه الأديبة بدرية البشر، وما ننتظره كمتابعين للشؤون الثقافة هو أن توضح جامعة قطر بكل شفافية ممكنة أسباب إلغاء محاضرة لم يكن مخططاً لها أن تناقش محظورات سياسية أو دينية، أو تثير نعرات من أي نوع، بل لتعالج شؤوناً إعلامية واجتماعية، وأدبية بحكم التجربة الروائية للبشر. إذا ما وضعنا النصوص الأدبية والفكرية والأعمال الفنية على طاولة التداول العام لينبش فيها الجميع دون تأهيل معرفي أو نظري أو جمالي، ليتم تداولها عبر التويتر أو الفيسبوك، لتصدر قرارات المنع والإقصاء، فإنني لا أعرف كيف يمكن لثقافتنا أن تزدهر، أو لأدبنا أن يتنفس!.