لم أستطع أن أخفي إعجابي حين وطأت قدمي أرض الدوحة بمشهد النساء القطريات اللاتي استقبلنني على أرض المطار خلف مكاتب الجوازات وختمن جوازي، وفي الطريق إلى الفندق في مقابل البحر تموضعت في بهاء من الحكمة مجسمات ضخمة تقول: «فكر افهم أنجز». خطفت دعوة العقل هذه أنفاسي وتأكدت أنني مقبلة على طريق من الفهم والتفكير والعمل، كيف لا وأنا في زيارة للدوحة بدعوة من جامعة قطر، كي ألقى محاضرة عن وسائل الإعلام والأخلاق الجديدة. لكنني فوجئت في صباح يوم المحاضرة بهاتف من الجامعة، يخبرني بأن غزوة «هاشتاق» اشتعلت البارحة في موقع «تويتر» تعارض إقامة المحاضرة، وأن قراراً اتخذ بأن تؤجل المحاضرة. أصرّ فضولي على معرفة إذا ما كان هناك جهة أمنية أو رسمية من خارج الجامعة أملت هذا القرار، إلا أن محدثتي أكدت أنه قرار داخلي. ضحكت لأن آخر ما أتوقعه أن يفوز معرض كتاب الرياض على جامعة قطر في حادثة مشابهة، فقبل شهرين دعيت إلى المشاركة في ندوة «الرواية والتغيير» في معرض الكتاب الدولي في الرياض، فاحتج متشددون على مشاركتي - هذه المرة ليسوا من خيال «تويتر» بل على الأرض - وقد بلغ الشحن أن توقعنا أن تلغى المحاضرة، لكنني فوجئت بقرار قيام الندوة، وأن أشارك فيها مع توفير حماية أمنية مشددة في دخولي وخروجي. أقيمت الندوة تحت توقعات أن تكون ندوة ساخنة تقاطعها كثرة الخصومات والمشادات، لكن هذا لم يحدث إطلاقاً. حضر من يريد الحضور وقاطع من يريد أن يقاطع وتم حماية هذا الحق للجميع. لم يكن بالإمكان فهم حجم المعارضة إلا حين تختبر بالمصارحة والمواجهة لا بالتراجع والتخاذل، قلت لهم إن آخر ما توقعته أن تفوق شجاعة إدارة معرض الكتاب في الرياض جامعة في بلد مثل قطر تروج قناة الجزيرة شعارها «الرأي والرأي الآخر». وأن يخرج إعلاميان من صحفها يطلبان لجم الآخر ومنعه بدلاً من أن تحاجه بالرأي والإقناع والتنوير، وأن تتخاذل جامعة تحمل اسم قطر عن حماية الرأي والتفكير وتنتصر لمن يعاديهما، وهي التي وضعت «فكر افهم أنجز» في طريقنا. لم تطلب الجامعة من طلبتها أصحاب الرأي المعارض أن يعبروا عن رأيهم داخل القاعة وعبر الحوار والتواصل المباشر والصريح وبالوجه الحقيقي فقد يفيدني ويفيدهم ذلك، بل فضلت أن تستسلم لموجة اتخذت من أسماء حركية وصور مجازية هويتها، كي تبدو وكأن جيشاً كبيراً قد دخل في لحظة عماء كي يقود الآخر الذي لا يتبين طريقه. اعترض بعض الطلبة حين وصفت غزوتهم ال«هاشتاقية» بأنهم خفافيش ظلام مجهولي الهوية، فتقدم طالب وكشف في أحد المواقع عن اسمه وأسماء من وقع الاحتجاج من داخل الجامعة، وحسناً فعل لأنني اكتشفت أنهم لا يتجاوزون 20 طالباً، فيما عدد طلبة الجامعة 8 آلاف طالب. فماذا عمنْ جاء ووقف عند باب المحاضرة التي ألغيت، من طلبة وأساتذة ممن لم يعرفوا بقرار الإلغاء، وهل منعهم كان تعبيراً عن الرأي والرأي الآخر؟ جامعة قطر لم تحسن قراءة الحدث لأن الحملة التي نجحت في منعي من المحاضرة لم تتوقف حتى اليوم، فبمجرد خروجي من القائمة حل محل اسمي أسماء أخرى تلاحقها رغبات الإقصاء أيضاً، كل هذا لأن الجامعة هي من أقنعتها أن غزوات ال«هاشتاق» قد نجحت مرة فلمَ لا تستمر حتى النهاية؟ ولهذا هم مستمرون!