من الأمور التي أكدها ابن خلدون في مقدمته أن العرب لا يصلح حالهم أبداً بدون الإسلام، فهم - بدون هذا الدين العظيم - لا يعرفون العمران ولا يطيقون الانضباط والانتظام، وأكثرهم بدون الدين يعلون من شأن الفساد المالي طالما كان لصالحهم.. مقولة ابن خلدون الأولى سبقه إليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما نبتغ العزّ بغيره يذلنا الله) وصدقها واقع العرب قبل الإسلام حين كانوا قبائل متناحرة متناثرة في الصحراء.. علمتهم الصحراء ثقافة السلب والنهب والأخذ بالقوة والفخر بالظلم. «بُغاةً ظالمين وما ظلمنا ولكنّا سنبدأ ظالمينا» وليس عمرو بن كلثوم وحده من يفخر بالظلم ويحض عليه، بل نجد حكيماً كزهير بن أبي سلمى يقول: «ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدَّم ومن لا يظلم الناس يُظلم» وسرت هذه المعاني في عقول وقلوب الكثير من العرب بعد خفوت نور الإسلام في قلوبهم، فالمتنبي يقول: «ومن عرف الأيام معرفتي بها وبالناس روَّى رمحه غير راحم» والشعر في هذا المعنى كثير والأمثال (إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب» وكثيراً من الآباء يشدّد على ابنه: (خلك ذيب!) (ومن حصل شي يستاهله)! الخلاصة أن ثقافة الصحراء - رغم محاسنها من كرم وشهامة وشجاعة - هي في أعماقها تشجع على الفساد المالي وكثيراً ما يرتبط السلب والنهب بالذكاء والقوة والسبق في العقل الباطن ما لم يكن هناك وازع من الدين.. ولا يظن أحد أن الغربيين لا يود أحدهم أن يسرق وينهب ويثري على حساب الآخرين فأغلبهم يريد ذلك لولا قوة القوانين وشدة العقوبات وتطبيق القانون على الجميع.. إن ثقافة الفساد المالي متجذرة خاصة مع ضعف الوازع الديني وتكاثر الفرص ولا يردعها إلا قوة النظام وسريانه على الجميع فإن الرأسمالية والاقتصاد الحر بدون رقابة صارمة وأنظمة رادعة يصبح (غابة).