منال الشريف صاحبة السيارة، لم تقل في مؤتمر«أوسلو» الأخير ما يخالف كتاباتها في صحيفة «الحياة» والواقع على الأرض، وحقيقة أن قضايا المرأة في السعودية محتكرة وخاضعة لتفسيرات ضيقة، لا تلغيها محاولات الإنكار و الالتفاف، ولا يجوز أبدا اتهامها بالعمالة لأنها صرحت برأي لا يعجب البعض، ولو أن الفكرة نفسها محتملة ومستفزة نسبياً، والخطأ إن حدث فهو في التعميم وليس في وصف الحالة، لأن الإسلام لم يظلم المرأة ،وظلمها جاء من عادات وضعت في جلبابه ونسبت إليه، ولم أفهم التشنج فالمثالية مستحيلة وكل المجتمعات الطبيعية تقبل الشيء ونقيضه معا، وإلا كيف نفسر الفيديو الموثق بكاميرا الموبايل، والذي يؤكد بأن رجلين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طلبا من امرأة مغادرة «الحياة مول» في الرياض يوم الاثنين 21 مايو، لأنها لم تكن محتشمة، وتعريف الحشمة في حالة المرأة المذكورة تلوينها لأظافرها مثلما تفعل النساء، وسيأتي بالتأكيد وكما جرت العادة من يبتكر الأعذار ويخون ويدافع، وربما زاد أنها رفعت صوتها في وجه الرجلين وأظهرت تحديا لهما ولم تحترم هيبة مؤسسة رسمية وأشياء أخرى، ومبدئيا النظر إلى نصف الكوب الفارغ والحكم على جهاز الهيئة قياساً على اجتهادات محدودة لم توفق غير مقبول وفيه تحامل ضدها، وأسلوب شعرة معاوية الذي أخذ به رئيسها العام الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، حفظ حقوق جميع الأطراف وأظهر أسلوبا رزينا وعاقلا في التعامل مع المشكلة بانتظار معرفة تفاصيلها، ولعل المثال الأول والثاني قد يعطي انطباعا بأن تمكين المرأة من أبسط حقوقها لا زال حلماً مالم يتحول إلى كابوس. سأخرج من موضوع منال والهيئة لأدخل في موضوع لا يقل أهمية، ولعب دورا مركزيا في الحالتين، وهو صناعة النجوم وقضايا الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، وهذه المواقع رغم تحيزها ومصداقيتها المتواضعة تعتبر بوابة لحضور مؤثر في التلفزيون والصحافة العالمية والعربية حاليا وأحياناً في الأوساط السياسية، والمطلوب ممن يرغب في نجومية صاروخية غالباً لا يخرج عن كسر تابوه أو ممنوع اجتماعي أو ديني، إضافة لدائرة علاقات عامة صغيرة مع مجموعة من«هوامير» الانترنت، لايصال رسالته إلى أكبر عدد من المتابعين، والمعادلة نفسها تنطبق على قضايا الرأي العام، والفارق أن تحويل مادة هامشية أو شخصية إلى قضية عامة، لايتم دائما لأغراض نبيلة فقد تحركها مصالح وأجندات خاصة، وتسويق الأفكار في الإعلام الاجتماعي استثمار رابح وشبه مضمون، فقد أصبح في مناسبات كثيرة مصدرا رئيسيا من مصادر الأخبار، وساهم في تسريح مسؤولين أو مساءلتهم بأقل تقدير وفي توضيح مخالفات وتجاوزات صعبة، والاستفادة منه في تصفية الحسابات وارد، كما أنه وسيلة معقولة لقياس المواقف والتوجهات ولإرسال بالونات الاختبار، وحتى لا يساء الظن فالإعلام الجديد سجل نجاحات كبيرة ومقدرة، وفتح مجالا واسعا لتقليعات أغربها الحملات الإلكترونية المنظمة لترتيب زيارات شبابية لأماكن قيل إنها مسكونة بالجن، والهدف المعلن مشاهدة الجن بالتأكيد، والزيارات حدثت في الرياض وحفر الباطن وأبها وبريدة والخبر وشارك فيها المئات، وكشفت عن حقائق مربكة تخص مكانا محددا شيد وجهز على مساحة واسعة منذ أكثر من خمس وعشرين سنة ليترك في النهاية مهجوراً ومسكوناً، والملفت أن المكان قدمه مالكه كهدية لوزارة معروفة، ولم تنقل ملكيته باسمها طوال خمس عشرة سنة، وكان أن مات الرجل وتورطت الوزارة بعدما رفض الورثة التنازل عنه، ومن تستبد به البطالة والفراغ يفعل العجائب. أخيراً كل ما أتمناه أن لا ننشغل بالهوامش والأمور الصغيرة، وأن لا يساء لحرية التعبير باستخدام أدواتها.