يظل تدوين وتقنين الأحكام الشرعية موضوعاً ساخناً، ولكنني أتفاءل بما قاله معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد العيسى في افتتاحه مؤخراً للورشة التأسيسية لكرسي الشيخ سعد بن عبدالله بن غنيم لدراسات تقنين وتدوين الأحكام الشرعية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. هذا الموضوع كان أيضا محل استفسار ونقاش عندما التقى الوزير كُتَّاب وأسرة تحرير جريدة الجزيرة قبيل تكليفه برئاسة المجلس الأعلى للقضاء. وما قاله الوزير في جامعة الأمام يبشر بخيرٍ كثير، فقد أكد على حرص الوزارة والمجلس الأعلى للقضاء على تدوين وتقنين الأحكام الشرعية، وقال إن وزارة العدل أصدرت أجزاء من «مدونة الأحكام القضائية» وسوف تصدر خلال الفترة القادمة أجزاء أخرى من المدونة. وفي توضيح لأبعاد هذه الخطوات نفى الدكتور العيسى أن يكون التدوين والتقنين مدخلاً إلى «قوانين وضعية»، وإنما يهدف إلى الحد من الاختلاف بين الأحكام القضائية متى ما وجد. وأشار إلى السجال الدائر حول التقنين والتدوين، وقال إن هيئة كبار العلماء كانت ترى في السابق أن الوضع لا يسمح بتدوين الأحكام بينما في الوقت الراهن رأت أهمية التقنين. هذه خطوة إلى الأمام. وكما أوضح الوزير، وفق ما نشرت جريدة الجزيرة، فإن التدوين والتقنين لا يحدان من إبداع القاضي: «من أهم أعمال القاضي إنزال الواقعة على النص، وللقاضي حتى لو صدر التقنين أو المدونة وألزم بها، بل حتى في ظل وجود مبدأ أو سابقة قضائية، أن يحكم بخلافها متى سبَّب حكمه، والمحكمة الأعلى - والحالة هذه - تتعامل مع الحكم على ضوء معايير العدالة، فإن اقتنعت بتسبيبه عدلت عن مبدئها في حال مخالفة المبدأ وإن كان تقنيناً فإنها تناشد المنظم من منطلقات العدالة تعديل حكم المادة». إذن ما هي المشكلة طالما أن التدوين والتقنين لا يكبلان القاضي؟ لقد كان تدوين وتقنين الأحكام الشرعية مطلباً ملحاً منذ زمن طويل، لكنه أصبح أكثر إلحاحاً في الوقت الحاضر. وسبب ذلك هو التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والنظامية التي حدثت في البلاد عبر السنوات الماضية وما تبعها من تعقيدات في الكثير من التعاملات وضرورة توضيح الأنظمة والأحكام وجعلها في متناول الناس من حيث الفهم وليست لغزاً من الألغاز الكبرى التي لا يفك أسرارها إلا عدد محدود من الناس. كما أن التقنين ييسر تعاملاتنا مع العالم الخارجي الذي يود أن يعرف ويدرس الأنظمة المعمول بها في البلاد قبل أن يدخل معنا في شراكة من أي نوع. مرة أخرى.. نتفاءل بجهود معالي الدكتور العيسى وزملائه في وزارة العدل وبجهود المجلس الأعلى للقضاء في هذا المشروع وفي غيره من المشاريع التطويرية لمرفق القضاء.