يتذكر السعوديون الذين عاشوا في زمن التجييش الديني العاطفي الذي اكتسح المنطقة العربية لدعم الجهاد في أفغانستان ضد المحتل السوفياتي قصصاً أسطورية راجت على ألسن الدعاة عن الكرامات الخارقة للأفغان التي لم ترصدها أعتى مراكز الأبحاث في العالم.. ولأن تلك القصص التي كانت في الغالب تندرج تحت بند الكذب لخدمة الدعوة (وهو بالمناسبة كذب مجاز شرعاً من كثير من فقهاء ذلك الزمان)، فقد دغدغت الحد الأدنى من رغبات المتعطشين لتسجيل أي انتصار بعد نكسات الأمة الإسلامية المتتالية في معاركها مع الكيان الصهيوني، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، قبل أن تتحول لاحقاً إلى مجال خصب ل«التنكيت» بعد تغيير أصحاب الكرامات لجلودهم، وتحولهم إلى قادة لعصابات إجرامية تفتك ببعضها وتسفك دماء المسلمين بأبشع الصور التي من الممكن أن يتخيلها بشر، بحثاً عن أقرب الطرق لكراسي السلطة «الشاغرة». انتهت مرحلة «الشلخ الدعوي للجهاد» كما يُقال في اللهجة السعودية الدارجة، وبدأت مرحلة «الشلخ لخدمة الصحوة ومحاربة الثقافة الاجتماعية السائدة» نهاية الثمانينات، وحتى أواسط التسعينات حين استخدم من آمنوا بالتأثير الكبير لهذا الأسلوب المنابر وأشرطة الكاسيت، التي سجل بعضها مبيعات وصلت إلى 200 ألف شريط في الشهر الواحد. كانت حينها الأكاذيب التي تحتضنها تلك الأشرطة وتتمثل في روايات عن أشخاص مجهولين بصيغة تبدأ عادة ب«حدثني رجل» أو «روى لنا أحدهم» تنتشر بشكل كثيف بين منعدمي الثقافة والجهلة الذين لم يتعرفوا طوال حياتهم على طريق آخر غير المشافهة لتلقي المعلومات.. ثم انتقلت إلى طلاب المدارس عبر ما سمي بجمعيات التوعية الإسلامية، ثم المخيمات الصيفية، ثم اقتحمت الجامعات عبر توزيع أشرطة الكاسيت مجاناً على الطلاب ووضعها على زجاج سياراتهم أثناء وجودهم في قاعات المحاضرات، حتى أن أحد تلك الأشرطة تم توزيع 60 ألف نسخة منه في أروقة ومواقف جامعة الملك سعود فقط، وهذه المرحلة تحديداً وصفت بأنها العصر الذهبي لما سُمي ب«تيار الصحوة» الذي يمكن تسميته أيضاً ب«تيار حدثني رجل». نهاية التسعينات ومع دخول الإنترنت للسعودية دخلت ثقافة «الصحوة وحدثني رجل» في مرحلة الغيبوبة، وتعززت هذه الغيبوبة بالمعطيات الجديدة التي أفرزتها الأحداث الإرهابية في السعودية وأحداث 11 سبتمبر في الولاياتالمتحدة، وما تبع ذلك من تشويه عالمي لصورة الإسلام بوصفه ديناً، والمحاولات المستميتة التي بذلها المسلمون في بقاع الأرض كافة لتبيان الصورة الحقيقية للإسلام كدين رحمة ومنطق، لا دين قتل وعداء وتشويه وتكفير، لكن رموز مرحلة «حدثني رجل» كانوا حينها يعيدون ترتيب أوراقهم، وتبديل وسائل واستراتيجيات التواصل. وعادوا للمشهد من جديد عبر الوسيلة الأحدث «الإنترنت» حيث سخروا منتدى شهيراً على الشبكة ابتداء من 2003 كساحة لهم لتشويه كل خطوات التحديث التي تقودها الدولة، وأصبح صوتهم عالياً ابتداء من 2006 حين شنوا حملة شعواء لتعطيل بعض القرارات التي وقف خلفها آنذاك الوزير الراحل الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- ومنها على سبيل المثال لا الحصر قرار تأنيث محال المستلزمات النسائية، وبحلول 2007 بدأ تنظيم «حدثني رجل» في تشكيل ما سمي بالمجموعات الاحتسابية غير النظامية، والتي كان جل ما تقوم به يتلخص في تشويه صورة رموز الدولة أيضاً بأسلوب «حدثني رجل»، وتجييش الغوغاء عبر «الإنترنت» لتشويه وتخريب أي مناسبة ثقافية أو وطنية، وعلى رغم فشلهم في كسب أي تعاطف يذكر بعد 2010.. يتجمع اليوم رموز ودهاقنة هذا التنظيم في شبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها «تويتر»، وما زالوا يرددون «حدثني رجل».