تتطلب المرحلة القائمة مزيدًا من الشفافية بين الدولة والشعب، والرئيس والمرؤوس، والوالد والولد، وكلما شفت هذه العلاقة ازدادت رسوخًا وترابطًا، وتأبت على السوس الذي يوجد بطبيعة السنن الكونية في داخل الكيان المؤسسي، كما يوجد في أساس السن، فهو ضعيف إذا كوفح، وحُرس من المنشطات السكرية ونحوها، ويستشري إذا أُهمل أو زادت عليه هجمات المأكولات التي عادة تكون مُستلذة في الذوق، لتستغفل الإنسان، فتصيب منه ليس السنّ فقط، وإنما البنكرياس والدم، وربما أكثر. يتحدث كثيرون عن (المصداقية) وقد أصبحت أعزّ من الكبريت الأحمر كما تقول العرب، كلٌّ يتحدث عنها، وقليلٌ من ينشدها، ونادر من يتمثّلها، إنك تجد من لا يحسب حساب سقطاته، ولا مكايده، ولا يملك إلا حدسًا يشبه الساعة الخَرِبَةَ، التي لا تصدق إلا ثانية واحدة فقط، فجميع سلوكاته تدل على أنه ضامن للنتائج، ولا يبالي بأحد!! إن الذي يبحث عن الريال قبل تقديم مستحقاته، ويبحث عن موطئ قدمه من المشروع قبل أن ينظر في مصلحة المستفيدين منه، ويبحث عن كرسيّه قبل أن يسأل عن جدارته به، هؤلاء هم سوس التقدّم والتطوّر في كل زمان ومكان، وينبغي أن يتطهّر منهم الزمان والمكان.حين فُتِح ملف الفساد انكشفَ ما لم ينكشف قطّ، وتبدّى للعيان ما هو أكبر من الاختلاسات، وأعظم من السرقات، وأخسّ من النذالة.. حيث يستلم المجرم المال العام؛ ليقدّم مقابله خدمة لوطنه الذي وفر له أسباب الأمن والرزق والتعليم والصحة، واستأمنه على مدّخراته ومكاسبه، فإذا به يطعنه في خاصرته، ويسرق نور عينيه، ويشوّه اليد الباذلة؛ وكأنها هي المقصرة، والعجيب أن تستمر سلسلة هذه الجرائم متخذة لها مسارب أخرى!! وحين أتيحت لكل فرد فرصة ليعبّر عن خواطره وما يدور في قلبه، حيث تنبعث (التغريدات) كما تنبعث براعم الأوراق على الغصون كل لحظة، وكما تشقّ الشعرات الجلد لتعزز وجودها في كل ثانية، انشقت الصدور عما في دواخلها، فتجلّت صور مشرقة وصور داكنة، رؤى بانية ورؤى هادمة، حتى الخلجات تعرّت تمامًا، حيث تحمل اللغة التصويرية ما يلوب فيها منذ أمد، ولكنه كان حبيسًا، أو مترددًا، أو متخوّفًا، فإذا به يتنفس دون تحسّب، وكأنما أمن ردود الأفعال، أو رأى أن الزمن أصبح أفسح صدرًا من ذي قبل!! وحين يمتحن الناس في وطنيتهم، فلن يبقى سوى الصادقين مع أنفسهم، فإذا كان مؤولو الرؤى يقولون: إن أصدق الناس في رؤياه، أصدقهم في صحوه، فإني أقول: إن أصدق الناس في ساعة الكرب هو أصدقهم في ساعة السعة والرخاء. إن الذي يبحث عن الريال قبل تقديم مستحقاته، ويبحث عن موطئ قدمه من المشروع قبل أن ينظر في مصلحة المستفيدين منه، ويبحث عن كرسيّه قبل أن يسأل عن جدارته به، هؤلاء هم سوس التقدّم والتطوّر في كل زمان ومكان، وينبغي أن يتطهّر منهم الزمان والمكان.