لا أحتاج للقول بأنني سني حتى النخاع أبا عن جد، مثلما أن صديقي وأخي محمد شيعي أبا عن جد. ولم يكن أبي ولا جدي كما لم يكن أبوه أو جده يعرفون هذه الموبقات الطائفية والمذهبية التي يروج لها المتربصون أيا تكن مشاربهم ومنطلقاتهم وجغرافياتهم. كانوا يعملون و(يتعازمون) ويسمرون، ثم يذهب كل منهم إلى بيته حاملا قلبا نظيفا ونفسا راضية على صاحبه ومجلسه و(سواليفه). لم يكن في تلك الأيام ثمة فرصة للمزايدة والتلصص على ما يعتقده الآخر أو يمارسه. ولطالما حفظ كل سني للشيعي وحفظ كل شيعى للسني قيمته الاجتماعية والوطنية وتقاسموا المصلحة الدنيوية التي توفرها لهم ولعيالهم أرضهم ووطنهم الواحد. فما الذي تغير إذا لترتفع صيحات التنابز بين سني وشيعي ويشتد أوار هذه الحرب التصنيفية والإلغائية في كل مكان وفي كل زاوية من زوايا حياتنا؟ أعتقد اعتقادا جازما أن هناك من يريد أن ينسف تلك الأرض الواحدة والمصلحة المشتركة والنفوس الراضية، السنية والشيعية، رأسا على عقب. هناك لعب بالنار واستخفاف بمستصغر الشرر المتطاير من هذه النار، التي إن اشتد عزمها وتُرك المتربصون والمرجفون يجمعون لها مزيدا من الحطب فسيمتد لسانها ليلسع الجميع ويحرق كل المكاسب السابقة المشتركة، التي حققها أبناء الوطن الواحد. ولذلك صار مطلوبا، وبلا تأجيل، أن تلتقي آراء وأفكار وحوارات العقلاء من سنة وشيعة لتعيد الأمور إلى سابق عهدها، حيث يسود في النهاية منطق الوطن الذي يحضن أهله جميعا ويجنبهم مزالق التنابز والتنافر والطائفية البغيضة. لا يوجد عاقل يضيق على نفسه ما وسّعه الله.. وطننا يسع جميع مواطنيه بكل مذاهبهم واختلافاتهم وتنوعهم. وما عدا ذلك هو محض تربص وإرجاف.