ما أرق الرياض حين يمتزج ليلها بأنغام الموسيقى ودقات المطر. كانت ليلة الثلاثاء الماضي باهية جميلة ارتدت فيها رياضنا لباس الفن في ذكرى رحيل طلال مداح، وشاركها الجمهور فرحتها ورقص معها ابتهاجاً بعودة الموسيقى والحفلات إلى سماء العاصمة بعد غيبة طويلة. كانت أمسية تاريخية كسرت حاجزاً نفسياً رهيباً ظل يقيد النشاط الفني لأكثر من عشرين عاماً؛ حيث اعتُقد دائماً أن الرياض لا ترحب بالموسيقى وترفضها رفضاً قاطعاً دون شرح للأسباب، ولأن الحفلات غابت بالفعل منذ آخر حفلة غنائية احتضنها مهرجان الجنادرية بداية التسعينيات، فقد آمن الناس بصحة هذا الاعتقاد حتى إن المطربين وعشاق الفنون لم يعودوا يجادلون في مسألة غياب الحفلات الغنائية، وتحوّل الأمر إلى ما يشبه المّسلّمة البديهية التي تقول؛ إن الرياض والموسيقى نقيضان لا يجتمعان. لكن حفلة الثلاثاء أثبتت عكس هذا وقالت لنا إن غياب الحفلات الغنائية مردّه إلى الموظف المسؤول عن الثقافة والفنون الذي إن آمن بأهميتها فستشهد المملكة حراكاً فنياً كبيراً، وإن آمن بالعكس وتعامل مع الفنون تعامل الموظف الكسول الذي لا يهمه سوى المرتب آخر الشهر فلن يحرك ساكناً ولن يتحمّس لإقامة نشاطات قد تخرجه من دائرة كسله اللذيذ. حفلة طلال الأخيرة، والحفلات القادمة، إنما هي ثمرة لجهد وحماسة فريق جديد يدير جمعية الثقافة والفنون حالياً مدفوعاً بعشقه للفنون وإيمانه بأهميتها، وهذا الفريق مكون من رجا العتيبي ويحيى مفرح ومن خلفهما عبدالعزيز السماعيل ود. محمد الرصيص، والذين أثبتوا أن فكرة «لا حفلات تحت سماء الرياض» ليست صحيحة، بل الأصح منها أن غياب الحفلات الغنائية كان لغياب حماسة المسؤول والتي ما إن توفرت حتى عادت الحفلات ببساطة ودون ضجيج. بقي أن نأمل أن تستمر حماستهم هذه، وأن يواصلوا مسيرتهم الناجحة ويجعلوا من الحفلات الغنائية نشاطاً أسبوعياً دائماً، يستوعب الشباب ويحتضن مواهبهم، وينمي فيهم الذوق والحس الجمالي الرفيع، في فضاء صحي مفتوح وتحت نظر الجميع، بدلاً من «الاستراحات» الخلفية المظلمة التي ظلت لسنين طويلة «وكراً» لإفساد الأغنية الشعبية حتى تحولت إلى مجرد «كسرات» تجمع كل ما هو شاذ وقبيح.