جدة مهبط أمنا حواء أو هكذا يقال، ولم يخالف هذه القصة التاريخية أي قصة أخرى، شخصيات وأسماء كثيرة من بنات هذه المدينة هن حصيلة لثقافة تمثل بوابة الحرمين، فهي المدينة التي أمر الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بتحويلها إلى ميناء لاستقبال الحجاج، شاملة على ثروة من الحضارات، تمثل عينة من مناطق هذا الوطن في العصامية والريادة. ولكن هناك من له تصور آخر عن الصورة النمطية لبنات جدة، فيقال: إنهن بنات آخر صيحات الموضة والدلع والرفاهية، وإن كان هذا الوصف ينطبق على شريحة منهن، ولكن إليكم بعض مبادرات لبناتها. بنات جدة أول من دخلن أعضاء في الغرفة التجارية الصناعية 2005م، ومثلن ثقافة القطاع التجاري لهذه المدينة. فزادت عدد المراكز الأهلية لتحفيظ القرآن وتعليم القاعدة النورانية وتعليم اللغات المختلفة وأنواع الرياضات الحديثة. وفتحن المكتبات غير الربحية مثل «مكتبتي» لمجموعة من بنات هذه المدينة، وطبعن الكتب والنشرات لأهداف خيرية وتطوعية وقصص للأطفال أمثال «الله يحبني» للكاتبة هديل العباسي. ثم أتت كارثة سيول جدة فنظمن المساعدات وأسسن مؤسسات مدنية مثل «مواطنة» بريادة الأستاذة فاتن بندقجي والأخت رشا حفظي لنجدة المتضررين، وقد تبنت الدولة بعض هذه المجموعات التطوعية لشدة تنظيمها ونجاحها على أرض الواقع. أبدعن في الأزياء والماركات الوطنية في الملابس والعبايات والمجوهرات أمثال حنان مدني ونوال ميمني ومصممة المجوهرات الأستاذة الفاضلة نادية زهير، فأعطونا بديلًا محليًا يضاهي أشهر الماركات العالمية. وأبدعن في الفنون والرسومات كالفنانة ريما ناظر. فتحن مقاهي ناجحة ومعاهد للطبخ يستمتع بها الزائر ويعلمن فن الطبخ لمن لا علم له. ولم ينسين البيئة بل سعين لنشر الثقافة الخضراء، وتأسيس جمعيات لحماية البيئة، مثل دار النبتة وغيرها، بل تعدى ذلك لدعم تأسيس مصانع لتكرير الورق والبلاستيك مثل الدكتورة نور جوهرجي. وتعدوا ذلك ليصلن إلى العالمية مثل الطالبة بيان مشاط، والتي حصلت على الجائزة الأولى لمعرض انتل الدولي للعلوم والهندسة عام 2011م. وهذا ليس بمستغرب، حيث إن أول مدرسة تأسست في المملكة العربية السعودية كانت في جدة عام 1955م وهي مدارس دار الحنان بدعم رائدة التعليم الملكة عفت حرم الملك فيصل رحمهما الله. تلتها جامعة الملك عبدالعزيز كأول جامعة أهلية نظامية للبنات 1967-1387ه بعد مطالبات بنات جدة وأهاليهن فوجدوا القبول عند الأميرة الجوهرة بنت سعود الكبير ولكن لم يتوفر المبنى فبدأوا بالدراسة ليلًا في مدارس دار التربية وسعت في ذلك شخصيات عديدة منها على سبيل المثال وليس الحصر الدكتورة بوران قباني أول عميدة للجامعة والدكتورة مديحة درويش إلى أن أصبحت جامعة حكومية في عام 1391ه وقد أسست الدكتورة سميرة إسلام أول كلية للعلوم الطبية تابعة لجامعة الملك عبدالعزيز حتى أصبحت الجامعة اليوم تستطيع أن تستوعب أكثر من 16000 علمًا بأنها بدأت ب30 طالبة، وقد دعمت الدكتورة سامية العمودي الدراسات والأبحاث المتعلقة بسرطان الثدي التابع للجامعة اليوم كمركز علمي يهدف إلى التوعية والكشف المبكر لمرض يعتبر من الأعلى في العالم. وتم اختيارها على مستوى الشرق الأوسط وتكريمها ضمن أشجع 10 نساء على مستوى العالم. هذه نظرتي التي قد يعتبرها البعض تعصبية، ولكني أكتب من خلال تجربتي الواقعية بحكم انتمائي لهذه المدينة. وهناك عينات من جميع مدن هذا الوطن ربما أبدعن في نواحٍ أكبر، فأعطوا صورًا مختلفة، لكنها بالتأكيد جميلة وغنية للمرأة السعودية من مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة والقصيم والرياض والجوف والمنطقة الشرقية. وعلى سبيل المثال لا الحصر الدكتورة هتون الفاسي والدكتورة سهيلة زين العابدين حماد، وأول امرأة تؤسس بنكًا في الخليج الأستاذة ناهد طاهر والدكتورة لمى السليمان والدكتورة سلوى الهزاع، والأستاذة هناء الزهير والدكتورة حياة سندي والدكتورة خولة الكريع التي قلّدها خادم الحرمين الشريفين وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى. عينات يفتخر بها الوطن يمثلن المملكة جمعاء. وفي رأيي أن هذا التنوع والاختلاف هو الذي يجعل أي بلد غنية بعاداتها وتقاليدها ولهجاتها وإنجازاتها وإلا لأضحت وترية مملة وراكدة.