على طريقة "شاطر ومشطور وبينهما طازج" والتي لايزال اللغويون يتناولوها بين حين وآخر بشيء من الكوميديا السوداء كدلالة على أزمات تعريب المصطلحات الأجنبية، ها هو السحر أو "الدنبوشي" كما يصطلح على تسميته الرياضيون السعوديون يعود لتصدر المشهد من جديد؛ ولكن هذه المرة في نادي النصر التي تدور فيه قضية قررت تسميتها قضية "ساحر ومسحور وبينهما نصر"! هذه القضية إذا أدرنا زواياها فسنكتشف أهم زاوية فيها وهي الزاوية التي تتعلق بأزمة الوعي ليس في وسطنا الرياضي وحسب، بل في المجتمع برمته، وإلا فكيف بنا ونحن في القرن الحادي والعشرين، حيث بتنا شهوداً على الألفية الثالثة، مازلنا نتعاطى في تفاصيل حياتنا بمثل قضايا "الدنبوشي"، حد الإيمان بها، ما يجعلنا نتفرغ لها، بل ونصرف وقتنا وجهدنا، ومالنا من أجلها إما بحثا عنها وممارستها، أو لمحاربتها والتصدي لها. إدارة النصر من جهتها أدلت بدلوها في بيانها الأخير ونفت مسألة تبني وجود السحر في النادي، والاستعانة برقاة شرعيين، أو مشايخ لفك السحر ودفعه، وأسمت ذلك "خزعبلات"، وإن لم تنفِ حقيقة قراءة القرآن في النادي؛ مبدية استغرابها من أن "أناساً تستثيرهم قراءة القرآن في أروقة النادي، وهذا عمل ليس له علاقة بالسحر والسحرة والشعوذة بل إنه عمل محبب للنفس ومرغوب ويحث عليه ديننا الحنيف، لكنها لم تنجح في تبرير مسألة تأخرها عن الرد". إدارة النصر لم تكتفِ بالنفي وحسب بل سعت في بيانها لقطع الطريق كاملاً على من سيحاول الربط بين بعض الأمور والقرارات لتقوية موقفها النافي كقراءة القرآن في أروقة النادي، والاستغناء عن عاملين إذ بررت الأمر الأخير بقولها: "الاستغناء عن بعض العاملين في النادي يأتي كسياسة عامة لإدارة النادي لترشيد الإنفاق وتوفير الكفاءات المؤهلة لخدمة الكيان وليس له علاقة لا من قريب أو من بعيد بما تم التطرق إليه في وسائل الإعلام". شخصياً لا أرى أن إدارة النصر قد نجحت في بيانها الأخير، فباستثناء النفي الذي يدفع عنها فقط القناعة بوجود السحر داخل النادي والسعي نحوه إبطاله، فإن صياغة البيان وتبريراته لا تؤدي بالمتلقي للقناعة بما فيه، بل على العكس فإنه سيتحسس من بين سطور هذا البيان دوافع النفي لمجر النفي، إذ ثمة عبارات ومبررات تثير الأسئلة بدلا من أن تقدم إجابات؛ فضلاً عن أن التأخر في إصدار البيان لا مبرر له، وليس مقنعاً التبرير في التأخر بالانشغال بمباراة التعاون، ولعدم إشغال الإداريين واللاعبين والجماهير بأمور غير رياضية كما تزعم الإدارة؛ لكن رغم ذاك يحسب لها رسمياً على الأقل أنها أبعدت الكرة عن ملعبها. المشكلة أن الأمر لا يقف عند الموقف الرسمي لإدارة النصر، فثمة إداريون، وشرفيون، وجماهير، بل وحتى إعلاميين في النصر أو في غيره يؤمنون باستخدام "الدنبوشي" في رياضتنا ويجندون أنفسهم لها كل في مجاله، يكفي فقط أن أشير ولا أذيع سراً إلى أن لا حديث للبعض اليوم إلا الكلام عن إعادة الأهلي والهلال زراعة ملعبيهما، غمزاً من قناة إيمانهما بالسحر، وبالتالي فلا مانع من أن يفعلوا مثلهما، لعلهم ينججون في إبطال السحر المدفون، وهو ما يجعلني أكتفي بالقول: ألا قاتل الله الجهل.