في بعض اللهجات العربية الدارجة يبرز مصطلح «يتبرطع» دلالة على أن الفاعل وصل إلى مرحلة فارقة في التبجح والانفلات من كل القيود والمنغصات، وهي المرحلة ذاتها التي وصل إليها أزلام وحتى «هلافيت» تنظيم «الإخوان» في بعض الدول العربية عقب ثورات ما اصطلح على تسميته ب «الربيع العربي». «تبرطع» الإخوان في مصر وتونس، وحتى في بعض دول الخليج، جعلهم يعتقدون أن بإمكانهم تغيير أي نظام سياسي، أو سلطة شرعية، في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي، بخطبة عابرة تهيج الدهماء والسوقة ضد دولهم، إنها حال «نرجسية» فريدة من نوعها لم تصل إليها «الشيوعية» أيام عزها وتوهجها، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن مدى «الخواء» الذي يسكن جماجم قيادات هذا التنظيم، الذي لم يكن في يوم من الأيام سوى لعبة تحركها قوى مختلفة، مرّة إلى اليمين وأخرى إلى اليسار، لأن من خصائص أفراد هذا التنظيم «الزئبقية» أنهم يتشكلون بحسب الطلب ولمن يدفع أكثر أو يمنح وعوداً سياسية أكبر. قبل أيام، وتزامناً مع قصف السلطات الإسرائيلية لغزة، خرج أحد رموز هذا التنظيم لوسائل الإعلام في مصر، التي لم تعد «محروسة» بعد تبرطعه ورفاقه فيها، ليهدد دولة خليجية علانية بتحريك العالم الإسلامي ضدها دفاعاً عن شيخه لا أكثر. هذا الرجل الذي لم ينبس بكلمة واحدة تجاه خالته «إسرائيل»، التي قصفت أهدافاً مدنية في غزة في يوم تصريحه البهلواني نفسه، قرر فجأة أن يهاجم الإمارات بأسلوب بلطجي على منهج شيوخه وأتباعه، إذ قال تعليقاً على التدخل المسيء والمرفوض من شيخه الفضائي «القرضاوي» في الشأن الإماراتي الداخلي، وبعد رد مسؤولين في الإمارات عليه: «سنحرك العالم الاسلامي بأسره، وليس جماعة الإخوان فحسب، ضد الإمارات»، مؤكداً «اعتزازه بأن يكون القرضاوي أحد أبناء الجماعة». «فروخ» تنظيم الإخوان في الخليج أيضاً كشفوا عن وجوههم بتصريحات مساندة له في وقت واحد، ما يعني أنهم تلقوا الإشارة ببدء الهجوم الكلامي على دولة لطالما كانت مضرباً للمثل في مدى الاهتمام برفاهية شعبها وأمنه، ونبراساً للحضارة والمدنية في المنطقة. وكالات أنباء ذكرت أمس الأول أن السلطات الإماراتية طالبت مصر بإيضاحات حول تصريحات «مسؤول رفيع» في تنظيم «الإخوان المسلمين»، تتضمن تهديدات لها، وتؤيد هجوماً حاداً شنه «القرضاوي» ضدها، وهو أمر جيد، على رغم أن القضية «أمنية» أكثر من كونها سياسية، كما أن «الحكومة المصرية» حالياً، و«المجلس العسكري» الذي أشرف على تشكيلها، ليس بيديهما حل أو ربط في مواجهة هؤلاء «المتبرطعين»، الذين لا يقيمون وزناً لأي علاقات ديبلوماسية مع الدول العربية، بعكس تقديسهم وأدائهم فروض الولاء والطاعة للاتفاقات الموقعة مع «إسرائيل». الموقف الخليجي من التهديدات جاء مشرفاً على لسان الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، الذي أكد أن ما يمس الإمارات يمس جميع دول مجلس التعاون، ووصف تصريحات المسؤول الإخواني بأنها «غوغائية مستهجنة وغير مسؤولة، ولا تنبئ عن نيات طيبة ضد حكومات وشعوب المنطقة، ولا تخدم الجهود التي تبذلها دول المجلس ومصر لتعزيز علاقاتهما التي ترسخت على قواعد متينة عبر السنين»، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية، لكن المطلوب حالياً حيال «تبرطع» هذا التنظيم هو العودة إلى التعامل مع ملفه وملفات أفراده في الخليج «أمنياً» لا سياسياً، وهذا المنتظر خلال الفترة المقبلة.