قطع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي قول كل خطيب في قضية استضافة السعودية للرئيس السابق زين العابدين بن علي، فأراح كاهل الرياض من تكرار توضيح موقفها من هذه القضية، وكان الأكثر إقناعا ومنطقية من جميع الذين تحدثوا عنها. باختصار المرزوقي أغلق ملفاً شائكا كان يمكن أن يستمر على حاله لفترة طويلة. أليس هو من عرض استضافة بلاده لرئيس أكثر الأنظمة العربية دموية، بشار الأسد، وبهذا سد المرزوقي باب الذرائع على سند تواجد بن علي على الأراضي السعودية. منذ انتهاء الثورة في تونس الخضراء، والشعب التونسي غاضب على السعودية لاستضافتها رئيسهم السابق. الرياض كررتها ذات مرة أنها تقوم بذلك من باب الاستجارة، وهو مفهوم شائع لدى العرب، أو لدى بعض العرب، فالبعض الآخر لا يفقه ما هي الاستجارة، أما التونسيون فيعتبرون أن استعادة بن علي شرط معنوي لانتصار ثورتهم. من وجهة نظري، أقدر غضب التونسيين، وهو أمر طبيعي ولا يمكن لنا إلا تفهمه، وحتى لو استمر غضبهم سنوات طوالا، فيجب على السعوديين تقدير هذا الغضب، أما وأعلى سلطة في تونس تقترح استضافة الأسد، فهو هنا، وأعني المرزوقي، قلب المعادلة بالكامل، فبن علي وعلى الرغم من كل علاته، والتونسيون أعلم بها، لم يكن جزارا كبشار، بل من غير المبالغة القول إنه كان الحاكم العادل، إذا ما تمت مقارنته بهرم نظام الأسد، كما أن يده لم تلطخ بقتل أكثر من عشرة آلاف، ولم تقصف دباباته المواطنين العزل، والأهم أنه هرب وترك بلاده سريعا بعد علمه بعدم رغبة الشعب في بقائه رئيسا، ومع كل هذا التباين بين الحالتين، جاهد الرئيس التونسي لكي يستضيف بشار، وهو ما كان واضحا وجليا خلال الفترة القليلة الماضية، فخلال أسبوع واحد كرر المرزوقي مطالب بلاده ب ""منح الأسد والمقربين منه حق اللجوء""، فيما كان قد عرض قبلها، ومن على أرض تونس نفسها إبان مؤتمر أصدقاء سورية، أن يعطى الأسد حصانة قضائية ويلجأ لروسيا لاحقا، وهو عرض لم نجد له اعتراضا على نطاق واسع بين المواطنين التونسيين، ومن يدري فربما كان هناك ترحيب صامت بهذه الاستضافة! وبما أن الشيء بالشيء يذكر، لا بد لنا أن نستذكر موقف السفير السعودي في مصر أحمد قطان، الذي كان رائعا في تصريحاته الأخيرة لبرنامج ""آخر كلام"" مع الإعلامي يسري فودة، حيث رد على إثارة قضية بن علي في الإعلام المصري، فشرح أن السعودية استقبلته ""لأنه استجار بنا، واستسلم في بدايات الثورة دون قتل شعبه"" متسائلا "" لماذا استقبلتم الشاه وأكرمتموه رغم ما فعله بالشعب الإيراني، وتستكثرون على السعودية استقبال بن علي؟""، ومع إعجابي بمنطق السفير قطان، إلا أني أهمس في أذنه بأن قضية بن علي تخص السعودية وتونس، فما دخل المصريين في إثارتها أساسا، ناهيك عن توضيحها لهم، وهل انتهت قضايا مصر، وما أكثرها، حتى يتفرغوا لقضية لا ناقة لهم فيها ولا جمل!