أحاول أن أوَّفق بين ما أعلمه من نجاح مبهر لمعرض الرياض الدولي للكتاب في مواسمه المتلاحقة خلال السنوات السابقة وما قرأته في جريدة «الشرق الأوسط» من أن السعودية تقع في المرتبة ال(119) بين دول العالم في القراءة!! إذا كانت هذه المعلومة التي نسَبَتْها الجريدة إلى تقرير صادر عن برنامج الأممالمتحدة الإنمائي لعام 2011 دقيقة فهي معلومة محزنة للغاية.. وهي تتناقض مع ما نلمسه من نجاح لمعرض الكتاب وما يشهد به الناشرون المشاركون في المعرض كل عام من تميز في إقبال الناس على المعرض وما تشهد به أيضاً أرقام المبيعات التي تأتي في المقدمة عند المقارنة بمعارض الكتب في الدول العربية الأخرى! لا أدري ما هي المنهجية التي اتبعتها الجهة التي أعدتْ وأصدرت المقارنات الدولية ووضعت المملكة في هذه المرتبة المتأخرة.. فالأرقام خدّاعة ويمكن أن يتم لَيُّ أعناقها بالطريقة التي تخدم الغرض من إعدادها. وأنا هنا لا أتحدث عن «مؤامرة»، كما يحلو لنا أحياناً أن نصف ما لا يعجبنا، لكنني فقط أستفسر في ظل ما أعرفه من أن الأرقام قد تكون أحياناً فاقدة للدلالة بالكامل. فعلى سبيل المثال، حتى لو كنا أكثر شعوب العالم إدماناً على القراءة فإننا سنأتي في المؤخرة إذا كانت المقارنة تقوم على أساس العدد الكلي للكتب المطبوعة أو المستوردة في بلد آخر يصل عدد سكانه إلى مئات الملايين.. كالهند مثلاً أو الصين أو أندونيسيا! وقد تكون النتيجة مختلفة إذا كانت الإحصائية تقوم على أساس النسبة المئوية أو معدل النمو أو غير ذلك من طرق القياس التي تزيل الانحياز الذي تمليه الكثافة السكانية. قد يرى البعض أن تأخر مرتبة السعودية في القراءة ناتجٌ عن انصراف السعوديين إلى وسائل وقنوات أخرى للحصول على المعرفة والمعلومات مثل الإنترنت والتلفزيون وغيرهما.. ولكن هل الدول الأخرى بمعزل عن هذه الثورة الرقمية وأوعية المعلومات الأخرى الجديدة!؟ إن الشيء المؤكد هو أن السعودية حققت تقدماً كبيراً في مجال القضاء على الأمية، وانتشار المدارس والجامعات والمعاهد، وتزايد أعداد المبتعثين.. وقد كان من المتوقع أن ينعكس ذلك على إقبال الناس على القراءة، إلا أن إحصائية تقرير برنامج الأممالمتحدة الإنمائي تشير إلى عكس ذلك، بل هي محبطة ومخيبة تماماً! يظل السؤال المهم، إذن، هل هذه الإحصائية سليمة ودقيقة أساساً أم أنها مجرد تجميع عشوائي لأرقام جمعها حاطبُ ليل كيفما اتفق. في الحالتين لابد من معالجة الأمر.. فإذا كانت المعلومات غير دقيقة يجب تصحيحها من الجهات ذات العلاقة في وزارة الثقافة والإعلام وإذا كانت دقيقة فنحن أمام مشكلة كبيرة لابد من معالجتها من خلال برنامج وطني تشارك فيه جهات كثيرة وليس جهة واحدة فقط من أجل ترغيب الناس في القراءة والإقبال عليها.