نحن كغيرنا في مجتمع يتأثر بما حوله، ويتابع أبناؤه وبناته كل ما يدور في العالم، بدءًا من تفصيلات الثورة السورية، انتهاءً بجولات (عرب آيدول)!. ومن الشرائح المهمّة في المجتمع التي تتابع بدقة شريحة البنات كونهن أكثر بقاءً في البيت، وأتبع للتفصيلات الدقيقة الاجتماعية مع عالم (البلاك بيري)، وبرامج (الواتساب)، وما في هذه البرامج من عوالم لا تخفى على أحد. وبعيدًا عن لغة حالة فردية، وآثار منطقة خاصة، وسوى ذلك من التعابير، فقد قرأنا التعميم الصادر من وزارة التربية والتعليم الذي وجِّه لمدارس البنات بلغة واضحة وصريحة، غايتها تفعيل جانب الرقابة لتشمل جميع طوابق المدرسة وأفنيتها ومرافقها، وتفعيل جداول حصص الانتظار، واستكمال قاعدة بيانات الطالبات المتعلقة بأرقام هواتفهن وأولياء أمورهن!. وهذا التعميم الذي نُشر في بعض الصحف خطوة نحو الاعتراف بمخاطر النزوات التي طالت الفتيات في المدارس من التحرّش من بنات (البويات) خصوصًا، والسلوكيات التي تعدَّت الظاهرة، من خلال الصور، والمقاطع، والأخبار، التي لا تخلو من آثار فكرية ونفسية وثقافية على هوية المجتمع. لنؤكد مرة أخرى أننا لسنا في مجتمع ملائكي، كما أننا لسنا في بيئة ومجتمع غافل، تبلدت أحاسيس أبنائه وبناته.. ولكننا أكثر انفتاحًا على مستجدات العصر، كون قدرة الفتيات أكثر من غيرهن في بقية البلدان، للحصول بسهولة -غالبًا- على الأجهزة التقنية الحديثة، والصرف عليها!. وبطبيعة الحال أن تظهر آثار سيئة بين الطالبات والمراهقات ولو من باب (البرستيج) في البداية، كحالات التدخين في المقاهي، والتي تعدّت الظاهرة أيضًا. فقد كشفت دراسة صدرت حديثًا من وزارة الصحة أن (16%) من الطالبات في المملكة جرَّبن التدخين في حياتهن، فيما تستعمل (11%) منهن التبغ، وأن نسبة مدخنات الشيشة قرابة (4%). ولنا أن نعجب إذا عرفنا أنه بسبب تزايد عدد الطالبات للمقاهي فترة الدراسة، فقد أسهم ذلك في تصميم أشكال جذابة للأرجيلة تناسب الأنثى، حتى بلغت صناعتها مؤخرًا درجة عالية من الرقي، بحيث أصبح لمحتوياتها حقائب خاصة كحقائب المكياج!. لقد فتح هذا الملف العديد من المجالات والصحف وآخرها صحيفة الشرق قبل أسبوعين، نقلت عن طالبات بأسمائهن الصريحة، وأماكن دراستهن أسباب اللجوء لهذه العادة السيئة، ما بين البعد عن ضغط المجتمع، إلى متابعة الصديقات، إلى أنه لون من (البرستيج)!. والغريب أنه برغم رفض غالبية المجتمع لهذا السلوك، إلاّ أن عددًا من مديرات المدارس في أكثر من موضع أكدن أنهن لا يستطعن ضبط ما في مدارسهن، لكثرة عدد الطالبات أحيانًا في الفصل، إلاّ أن الطامة تبدو أكبر في الجامعة، حيث يؤكد الكثير سهولة خروجهن قانونيًّا، إذ لا ضابط للدخول أو الخروج. حتى إنني سمعت من عدد من قريباتي قصصًا وعجائب من طالبات جامعيات من عوائل محترمة جدًّا، ومحافظة جدًّا!!. والآن نتساءل: هل سنقول إن دور المدرسة هو التشديد في الرقابة كما يقول تعميم وزارة التربية والتعليم؟ إن كان الأمر كذلك فالأمر إذًا تحصيل حاصل!. ولكني أقول: إن وزارة التربية والتعليم عليها فوق التعميم الذي لا يعدو أن يكون تأكيدًا على دور المدرسة والمدِّرسة، أن تقيم ورش عمل تخصصية ومستمرة، وتقدم الحلول العملية المناسبة، وتباشر جهة تنفيذية التطبيق المتكامل، ثم حينئذٍ تصدر تعميماً للمراقبة والمتابعة. من غير ذلك ماذا تعني ورقة صادرة من وزارة لديها آلاف المدارس، في بلد شاسعة لا تستطيع أن تراقب عُشر معشار الموجود داخل المدارس، فضلاً عن مراقبة الساحات، وفي الأفنية حسب التعميم!. ليس هذا تقليلاً من الدور، أو تبسيطًا لمطلب الرقابة، بل هو محاولة جادة لبسط القضايا الخطيرة التي أصبح المجتمع يئن منها، وصرَّحت بها الوزارة، وتداخلت فيها الأسباب، لكي تعالج بطريقة تربوية وعلمية وتقنية ونفسية وإعلامية واجتماعية، بما تحمله هذه الكلمات من معنى، طالما تدرِّسها الوزارة نظريًّا، وأن تحولها لمشروعات عملية ومدروسة. فنحن في عصر تجاوزت وسائل التغيير والتأثير فيه مجرد مطوية عابرة، أو نصيحة خفيفة بعد الصلاة!. ومن غير الاتجاه للتغيير الشمولي بقدر حجم المشكلة المعاصرة ستبقى كلمة الوزارة: أمرنا بما هو آتٍ، حبرًا على ورق!.