الحفاظ على الأمن الوطني ليس مهمة خالصة لرجال الأمن وحدهم بحيث يتقاعس المواطنون عن أي دور يسهم في ذلك، ولتبسيط المسألة، فإن كل رب أسرة مسؤول عن استقرار أسرته وأبنائه ويعمل بكل جهده ليبقوا آمنين بين جدران بيتهم، لأن الأمن ينطوي على أمن اجتماعي بحيث يراقب التصرّفات والسلوكيات ويقوّمها ويوجّه ويرشد إلى الصواب بحسب الأخلاق الفاضلة، وأمن اقتصادي بتوفير لقمة العيش الكريم بحيث تتوافر احتياجاتهم قدر الإمكان وسعة الرزق، وأمن ذاتي بمعرفة أفضل الأساليب التي يأمن فيها أفراد الأسرة على أنفسهم بتجنّب السلوكيات المنبوذة والضارة التي تتنافى مع الأخلاق والقِيم، وهكذا فإننا جميعًا نمارس دورًا أمنيًّا في المحيط الأسري والاجتماعي تترتب عليه مشاركة أمنية هي الأساس الأمني لأمن الوطن الذي نعيش فيه. الخروج عن تلك الدائرة الأمنية يورّط الخارجين في مسارات إجرامية تعمل بصورةٍ متضادة مع أمن الوطن والمجتمع، سواء كان ذلك الخروج قولًا أو فعلًا أو تقريرًا، فالقيمة الوطنية لا تتجزّأ ولا تقبل أنصاف قناعات؛ لأن الوطن فوق الجميع تحت جميع الظروف، ولا يمكن تبرير الخروج عن نظامه الأمني على الإطلاق، فهناك خطوط حمراء يمنع حتى الاقتراب منها، ليس تعسفًا وإنما لأن المنظومة الأمنية غير قابلة للمزايدة أو المساومة أو التسامح في العبث بها، فذلك يحقق مصلحة عامة ينبغي احترامها وطاعة توجيهاتها، وأي خرق يعرّضها للخطر، وذلك ما ينبغي إدراكه على جميع مستويات الأفراد بحيث لا يختلف في ذلك الصغير والكبير، العلماء والعامة، المتعلمون والأميون، الرجل والمرأة، وعلى قادة الرأي والنخب أن يعززوا من ذلك لا أن يعملوا على تمييع الفكرة الوطنية بقبول العبث وتبريره حتى ولو قام به صغار مغرر بهم. إن قادة الرأي عندما يصيبهم وهَن في قناعاتهم على هذا النحو فإنهم يصبحون مصدر خطر مضاعف، لأنهم يلتمسون المبرّرات لهؤلاء الذين يوصفون بأنهم مغرّر بهم، ومثل هذا الحديث لن يُعيدهم إلى رشدهم وصوابهم، وإنما يعمل على صبّ الزيت في النار ويمنحهم طاقة تخريبية إضافية. وعطفًا على مجريات التخريب والعبث التي قامت بها قلّة في محافظة القطيف مؤخرًا، تطرّق أحد مشايخ المحافظة في خطبة الجمعة بصورة متناقضة وفقًا لما صرّح به مصدر أمني مسؤول في وزارة الداخلية، ووصف تلك الخطبة بأنها «مسيّسة» واحتوت على مغالطاتٍ عديدة، وإسقاطات غريبة، ففي حين يذكر صراحة أنه يستنكر ما قام به الشباب المغرّر بهم من أهل القطيف من عنف تجاه قوات الأمن، فإنه يعود ويُنكر على الدولة حقها المشروع في مواجهة هذا العدوان، وهو بذلك يتناسى حقيقة أن ما يحدث من قبل هؤلاء القلة هو إرهاب جديد، حق للدولة أن تتصدّى له كما تصدّت لغيره من قبل، دون تمييز مناطقي أو طائفي، وكما ذكرت فإن القيمة الوطنية لا تتجزأ ولا تقبل أنصاف القناعات، فهي خيار مطلق يرفض مثل ما حدث جملة وتفصيلًا، ولذلك فإن من حق رجال الأمن مواجهة مثل هذه الحالات في حال استفحالها بكل حزم وقوة، وبيدٍ من حديد، كما واجهت الإرهاب سابقًا. وقد انطوت خطبة الشيخ على مفارقاتٍ غريبة، وبدلًا من تعزيز فكرة الوطنية والمساهمة في تجريد تلك القلّة المغرّر بها من ضغوط التأثير الخارجي واستخدامهم للنيل من استقرار وأمن المملكة فإنه يعقد مقارنة غير منطقية لما يحدث ببعض قرى القطيف بما يحصل بدول أخرى مجاورة سفكت الدماء الحرام بدون وجه حق، وهي بالتأكيد مقارنة باطلة لا أصل لها، فقوات الأمن لم تعتد على أحد ولم تقم إلا بالدفاع المشروع عن النفس بما يقتضيه الموقف، وفقًا للمصدر الأمني، ولذلك فإن قادة الرأي عندما يصيبهم وهَن في قناعاتهم على هذا النحو فإنهم يصبحون مصدر خطر مضاعف؛ لأنهم يلتمسون المبررات لهؤلاء الذين يوصفون بأنهم مغرر بهم، ومثل هذا الحديث لن يُعيدهم إلى رشدهم وصوابهم، وإنما يعمل على صب الزيت في النار ويمنحهم طاقة تخريبية إضافية. تلك القلة تتحرّك بمؤثراتٍ خارجية، وكلنا يعلم ذلك سواء من خلال تأكيدات الأجهزة الأمنية التي تمتلك الأدوات التي تصل بها إلى حقيقة هذا الاستنتاج، أو من خلال قراءتنا كمتابعين للأحداث، وإنكار ذلك يُعتبر جريمة حقيقية، لأننا لا يمكن أن نكون مخترقين إلى الحد الذي يُبرر مثل هذه الأفعال وإلا فإننا نصبح غير جديرين بهذا الوطن الغالي والعيش فيه تحت هذه المظلة القوية من الاستقرار التاريخي الذي لم يعكّر صفوه أي عابث أو مُجرم، وعلى قادة الرأي وعلماء المحافظة ووجهائها واجب عظيم يتجاوز مثل تلك الخطبة المسيّسة التي تسمح بنوع من الاختراق الفكري والأمني غير المقبول، فهي لا تنهي عن خطيئة بحق الوطن ولا تأمر بمعروف بالكف عن الإضرار بأمن الوطن، والبقاء في المنتصف ليس خيارًا ذكيًّا أو حكيمًا؛ لأن الوطن لا يقبل القسمة على اثنين أبدًا.