استطاعت إذاعة إسرائيل قبل عقدين أو أكثر ان تكون يوميا على موعد مع مستمعيها في المساء عبر الأثير تبدأ ببرنامج (من ملفات القضاء) وفيها تمثيل لوقائع محاكمة لقضية معقدة ومتورط فيها أفراد عديدون وتشعر فيها المستمع ان هذه القضية حقيقية ومثلت تفاصيلها للتعريف بقضايا المجتمع المختلفة ودور القاضي العجيب في التعرف على عناصر القضية وفهمه العميق للثقافة السائدة وقدرته على فهم اللهجات المحلية في المدن الفلسطينية وفراسته في فهم أدلة الشهود...الخ. لقد أراد البرنامج ان يغرس في أذهان المستمعين ان العدالة تتجسد بكل قوة في القضاء الإسرائيلي وذلك من خلال السيناريو الذي تنتهي به كل محاكمة ثم تردد القصة على ألسنة الناس في العالم العربي عن كيفية تحقيق مجرى العدالة في إسرائيل وينتهي البرنامج دوما بكلمة إهداء (إلى كل من يرجو ان تبلغ العدالة غايتها). يعقب هذا البرنامج أغنية كاملة للسيدة أم كلثوم بعد ان عرفت إسرائيل بان ملايين العرب يعشقون صوت سيدة الغناء التي تجمع دوما بين قمة الأداء وحسن اختيار القصيدة أو الكلمات وروعة اللحن، ويعقب الأغنية نشرة الأخبار التي كانت تحظى بشعبية أقل حيث كان ينافسها نشرة إذاعة BBC من لندن، وفي هذا السياق ربما يتذكر معظمنا السير ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الذي كان يتمتع بسمعة عالية خلال الحرب العالمية الثانية، وقد كان موفقا في رفع معنويات شعبه وكانت خطاباته إلهاما عظيما إلى قوات الحلفاء. أضفى تشرشل نكهة جميلة على جمود السياسة ووضع أسسا في بناء السياسة والمجتمع وحاز على جائزة نوبل عام 1953م، ومما يروى عنه في سياق الحديث عن القضاء بان مئات الطائرات الألمانية وعلى مدى أشهر متواصلة كانت تقذف المدن البريطانية بأطنان من القنابل وكان للندن النصيب الأوفى. البعض قابل تشرشل وقالوا له: لقد تخربت البلد، فسألهم: ما وضع القضاء والتعليم؟ فقالوا له: ما زال القضاء والتعليم بخير، فقال لهم: إذا البلد بخير فلا تخافوا وسنعوض ما لحق بنا من أذى. انه القضاء الذي يحق الحق ويعلي شأنه ويحميه من الباطل وانه القاضي الذي يجمع في شخصه رجل الدين والإدارة والقضاء والقيادة، ولم يعرف في قضائنا والحمد لله ميل إلى الدنيا أو اغترار يزخرفها، يتساوى في نظرهم الشريف والوضيع والخليفة والرعية، ومن نعم الله على هذه البلاد ان قيض لها القيادة الواعية وخطت خطوات وثابة في تطوير القضاء سوف نلمس ثماره عما قريب، وقد تذاع وقائع جلسات بعض المحاكمات عبر الإذاعة السعودية بهدف تنوير المجتمع بما يتحقق من عدالة، ولا بأس ان يصحب هذا البرنامج تسجيل لإحدى أغاني سيدة الغناء لجذب الجمهور على متابعة برامج الإذاعة.