هل هناك تأجيج للتوتر بين التيارات المحلية ؟ فإذا هدأ الصراع المذهبي نوعا ما وخفتت نبرة الشحن الطائفي ، استيقظ من جانب آخر التجاذب والصراع بين الإسلاميين وسواهم من تيارات المجتمع حول قضية قد يستغرب الكثير هشاشتها وسطحيتها. على سبيل المثال هناك تزامن غريب حد السخرية حدث الأسبوع الماضي ، ففي الوقت الذي كان فيه مجموعة من رواد الابتعاث يحتفون بالملحق الثقافي السابق في الولاياتالمتحدة (الأستاذ عبد العزيز المنقور ) كان هناك من يروج عبر حسابه في (تويتر) أن جلّ المبتعثين إلى الخارج الآن يعانون من مشاكل إدمان للكحول والمخدرات . ولنا أن نتخيل لو نوعية هذا الفكر الظلامي المليء بالتوجس والبرانويا استطاع منع البعثات التي بدأت إلى العالم الخارجي قبل مايربو على الخمسين عاما ، كيف كان من الممكن عندها حجب الوطن عن نوافذ لامتناهية للمعارف والخبرات ، وكيف كان من الممكن إعاقة تعليم وتأهيل طبقة هائلة من الشباب آنذاك ، والتي هي الآن تقريبا أصبحت طبقة التكنوقراط التي تسهم في إدارة دفة البلاد؟ العجيب أن من يروج لهذا الموضوع يتكلم عبر واجهة إسلامية ، ويرفع عقيرته كونه هو الإسلام والإسلام هو ، وماسواه هم مجموعة من المهرطقين ، ولكن هو لربما يعرف أن شرب الخمر هي كبيرة من الكبائر ، واتهام جموع المبتعثين على وجه الإطلاق بها جزافا بدون دليل حسي ملموس يستدعي إقامة حد القذف ، وإما أن كان فقط ينشر على حسابه ومواقعه على الأنترنت كل ماهب ودب تحت ذريعة أن ناقل الكفر ليس بكافر فالأمر هنا يجعلنا نشك بالنوايا التي تسعى إلى الفوضى واللغط وإثارة العامة والبسطاء ضد أي مشروع تنموي محلي ومنها مشروع خادم الحرمين للابتعاث ومحاولات لم تنقطع لإجهاضه . تماما كاستغلالهم لسطرين سلبيين ذكرا حول مؤتمر المثقفين الأخير فتم تناقلها وترويجها بكثافة مريبة بهدف صناعة وعي شعبي يرفض التوصيات التي تمت في مؤتمر المثقفين والتي من ضمنها رفع أسقف الحريات وتكثيف النشاط الثقافي والاهتمام بالمسرح ودور السينما. لكن هل يلام من (على قلوب أقفالها) مجموعة من أسرى ثقافة التلقين والرضوخ والطأطأة والذين يرفضون إعمال عقلهم وفكرهم في مايسمعون ، فلا يسعون لتعريضه لأدوات الفكر النقدي المتفحص ، فقط ينساقون خلف مايلقنون بشكل مستلب وغوغائي مع الإصرار على الخوض في الأعراض بل تسويغ هذا الخوض وتبريره وإدراجه ضمن نصرة الدين فالحق لديهم يعرف بالرجال فلا يعرف رجالهم بالحق . المخيف في الأمر إذا كان شبابنا (بحسب قولهم) وقعوا صرعى شهواتهم والمسكرات وتهاوت مناعتهم وإرادتهم عند أول اتصال مع العالم الخارجي ، فهذا بالتأكيد يحيلنا إلى مأزق كبير من نوع آخر :- _أن المؤسسة الدينية المحلية عبر جميع منابرها المتعددة من مسجد ومدرسة ، ووسائل إعلام وبثها المركز المتصل الذي استمر أجيالا ، عجزت أن تدرع أبناء الوطن ضد الشر وتغرس فيهم القيم والمبادىء الإسلامية كنوع من الخيار الشخصي والإرادة والرقيب الذاتي ، وليس مجرد خوف يتلاشى بغياب الرقيب الخارجي . وأعود لرأس المقال حول عملية اصطدام التيارات ببعضها بشكل يسعى فيه كل طرف إلى استئصال الآخر وحجبه ، فهذا اللغط هو السبيل الأمثل لحجب قضايانا الحيوية والكبرى ، وتحييد مطالبنا الاجتماعية الأسمى المتعلقة بالعدالة الاجتماعية ، والمشاركة الشعبية ، والمزيد من التقدم نحو دولة القانون والمؤسسات .