ثلاثة أحداث كانت كافية لتحلق على رأسي تساؤلات ضخمة، قبل أن أبسط شيئا منها، سأقول لكم ما هي الأحداث التي أعني. الأول: الزوبعة التي أحدثتها تغريدة الزميل صالح الشيحي على تويتر حين وصف ما يحدث في بهو ماريوت على هامش ملتقى المثقفين بأنه «خزي وعار على الثقافة»، فأثار حفيظة المثقفين وتأييد بعض السلفيين. ولربما كتبها تحت تأثير ليس له علاقة بالضجة، فوجد نفسه فجأة وسط الملعب. الحدث الثاني: إنشاء دور سينما سعودية، حين صرح وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة عطفا على قول سمو أمين الرياض الأمير عبدالعزيز العياف حول ذلك. أما الحدث الثالث: فهو اطّلاعي مؤخرا على كتاب أوليفييه روا «الجهل المقدس» (Holy Ignorance) وروا هو أستاذ النظرية الاجتماعية والسياسية في معهد الجامعة الأوروبية بإيطاليا. وفي كتابه يتحدث عن ذلك الجدل المحتدم حول العلاقة بين الدين والسياسة، وبخاصة في عالم الحداثة والعولمة، وتنامي الأفكار والثقافة العلمانية التي تقابل بالسخط. ويصف الكاتب مختلف الحركات الدينية، وأورد من بينها السلفية الإسلامية، بأنها ضد المجتمعات ذات الخلفية العلمانية، مشيرا إلى العلاقات المتغيرة بين الثقافة والدين مع تنامي العولمة. وبحسب «أوليفييه»، فإن كل الأديان أقرب لروح ثقافة المجتمعات، مع إمكانية التأقلم والتطور معها، على عكس الأصولية التي يحاول البعض فرضها لتحل محل الثقافة والدين معا. وتساؤلي يتمحور حول العلاقة بين كل من الدين والثقافة، ولندع السياسة الآن جانبا. حين قال الشيحي على روتانا خليجية، إن المثقف يجب أن يحمل خصوصية مجتمعه والدين، أثار قوله لغطا كبيرا. فهذا يتنافى، بطبيعة الحال، مع دور المثقف. هذا إذا اتفقنا حول تسمية ومعنى المثقف نفسه. أما الذي لا نختلف عليه فهي تلك النظرة السلبية تجاه الثقافة وأدواتها من قبل بعض «السلفيين»، وهي التي ترى في أدوات الثقافة حصان طروادة الذي تدخل منه الشرور التي تقود لفساد المجتمع والتأثير على نقاء الدين. بينما الحداثة تتطلب التماهي وتطوير النظرة الدينية بما يتواءم معها، لترسخ الحقوق الاجتماعية والسياسية، في إطار من ثقافة التسامح، ودعم مؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. وقد وجدت من المثير أن يطل بعض السلفيين، من خلال الإعلام، يستخدمون أدوات اخترعها «الكفار» في عرض بضاعتهم على طريقة النجوم. ومع الإعلام الجديد، ظهروا بصورهم، التي كانت حتى وقت ليس ببعيد «محرمة»، أحرقت بسببهم أسر كثيرة كل ذكرياتهم المصورة في العقود الأخيرة. أضف لذلك محرمات كثيرة تغيرت النظرة تجاهها لاحقا كالتلفزيون و»الدش» وتعليم البنات وما إلى ذلك. إذن فقد وظف بعض السلفيين أدوات العولمة وتأثروا بها. وإن كانوا في الحقيقة يسعون لمواجهة التيارات الأخرى وحثهم على الدين من منظور سلفي، إلاّ أنه من ناحية أخرى يمكن لهذا الانخراط أن يجعل من بعض السلفيين أنفسهم متأثرين بثقافات تلك التيارات بشكل غير مباشر. وحينما أعلن الدكتور خوجة عن كسر الحظر على إنشاء دور سينما في المملكة، تنفس الناس بعد طول أمل. فالأسس الثقافية، كالسينما والمسرح، ضرورة بصفتها أدوات حضارية ثقافية لتغذية الفكر، وتنمية السلوك الاجتماعي، وللتعبير عن الرأي. خاصة إذا ما تخلصت من الأدلجة الفكرية. وتساءلت: لم لا يفتح الباب لتطوير المسرح أيضا؟. نعم المسرح وعلى مستوى عالمي. لقد زرت سوق عكاظ الماضي، وأتيحت لي فرصة حضور مسرحية تاريخية برؤية جيدة. وقد حضرها كل من النساء والرجال والصغار بلمسة حضارية. وأود أن أسوق أمثلة هنا لما قد تضيفه هذه الأدوات الثقافية إيجابا. بلا شك سيجد الشباب ما يشغلهم فكريا عن التسكع في الشوارع والمجمعات التجارية. كما، وكلنا يعرف، ستبعث صناعة السينما والمسرح رافدا اقتصاديا مهما. وستحد من الضغوط النفسية لدى الشباب، والتي يسببها الفراغ الفكري والنفسي. وستوفر هذه الصناعة فرص عمل للشباب السعودي. أما في حال تطوير المسرح فسيجد الموهوبون طريقا لتفريغ مواهبهم المدفونة، وسيسهم المسرح في تعزيز قيم اجتماعية وسلوكية. كما سيتمكن الناس من مناقشة قضاياهم بصورة أعمق من خلال الأداء المسرحي، واستعراض العيوب الاجتماعية ومناقشة قضايا مهمة والمساهمة في إيجاد حلول لها.أضف إلى ذلك إمكانية عرض مسرحيات تاريخية ودينية على مستوى متقدم. فمن يبيعني أول تذكرة سينما سعودية؟. كنت حين أتوق للسينما والمسرح، أضطر أولا لشراء تذكرة سفر!