في أثناء محاولتي البحث عن نسخة صوتية للقرآن الكريم عبر جهاز الأيفون، وجدت نسخة لقارئ معروف في السعودية لكن يشترط تحميلها ب9 دولارات أميركية، وحين وجدت هذا الشيخ في قائمة تويتر سألته إن كان لديه علم بأن قراءته للقرآن تُباع بمبلغ مالي، فأجابني بأنه لا يعلم بذلك، وأنه تنازل عن التسجيلات بصوته مقابل نشرها دون أي مقابل مالي، بل وزوّدني بقصة أخرى تقول إنه فوجئ أثناء زيارته لأحد الأشخاص بأن والدته تدعو له، بعد أن تعالجت بزيت اشترته من أحد المحلات كتب عليه تمت رقيته بواسطة الشيخ فلان، ليكتشف الشيخ أنه ليس فقط أن قراءة صوتية للقرآن بصوته تباع بالمال لكن أيضاً يتم وضع اسمه على سلع في الأسواق وتباع على أنها خضعت للرقية الشرعية. ليست هذه واحدة من أشكال التكسّب بالدين من قبل سوق مفتوح يلعب به المتكسبون، بل إن رسالة عبر شركة اتصالات وصلتني تقول «هل تريد أن تكون من الصالحين، اشترك بثلاثة ريالات فقط شهرياً». ثلاثة ريالات فقط تجعلك من الصالحين وليس بعملك أنت وتقواك وحسن تدبرك، بل بحسن تدبر برنامج تشترك فيه عبر شركة اتصالات. دع عقلك لنا ونحن نقودك لطريق الصلاح. اليوم أيضاً وجدت أن هناك فازلين للرقية الشرعية غير ماء زمزم وزيت زيتون وعسل، كل ما يمكن أن يتعاطاه الناس لكن بأسعار تختلف عن أسعارها من دون رقية شرعية أو على الأقل ستكون هذه الرقية الشرعية حافزاً لشرائها لو ترددت مرتين، فأنت تأكل عسلاً يشفيك برقيته الشرعية، وتتدهن بفازلين يشفيك من التشققات الجلدية والأكزيما لأنه يتمتع برقية شرعية. والناس لا تشفى بالضرورة لكنها تسبح في السكينة والطمأنينة لأن هناك فريقاً من الورعين والأتقياء يقرأون القرآن على ما يتناولنه في بطونهم أو يدهنون به جلودهم. لو قام مراقب من وزارة الشؤون الإسلامية بزيارة عيادات الرقية الشرعية ولو من باب الفضول، سيعرف أنها قد تفرض رسوماً بسيطة للكشف، لكن صيدليتها التي تحوي زيت زيتون وماءً مقرياً عليه يصل سعره لأغلى من ثمن زيارة طبيب حاصل على البورد الأميركي. الشائع أن قراءة القرآن هي فعلاً قد تنفع الناس المرضى ولا تضرهم في شيء حتي ولو تراخى المريض في الأخذ بالأسباب لمعالجة مرضه، وقد يؤدي التهاون فيه أو التباطؤ أو الاكتفاء بالرقية الشرعية إلى مخاطر. لكن لا أحد يسأل لماذا حصلت هذه المساهمة الدينية التي تستخدم قراءة القرآن والرقية الشرعية على كل هذا الإقبال في مجتمع يتباهى بأنه قضى على الأمية ومعززاً بخلفية ثقافية دينية تتجاوز نصف المقررات الدراسية للنظام التعليمي، ولا يوجد بيت فيه يخلو من متعلم قادر على قراءة القرآن على نفسه أو على والدته المريضة لكنها لا تقبل إلا بفازلين من بقالة لصقت عليه اسم شيخ شهير ولو كذباً وتم به زحلقة عقولهم في دهاليز التكسب الشرعي. هذه التجارة ما كان لها أن تزدهر لولا أن ذهنية تمت رعايتها وتكريسها وتسليعها وبيعها وليس فقط من المستفيدين بقراءة القرآن وسارقي أسماء شيوخ الدين ولصقها على المنتج بل ومن مؤسسة مثل شركة اتصالات التي لا تمانع أن تكون طرفاً شريكاً يقدم لك خدمة تهديك وتجعلك من الصالحين لو دفعت فقط ثلاثة ريال شهرياً يا بلاش.