تركيا تبالغ في الانتصار لكرامتها. تغضب على طريقة زوجة الأب. تسحب سفراء، وتقطع علاقات، وتغلق موانئ، وتقاطع اقتصادياً، وتصعِّد مواقف يمكن حلها بطريقة ديبلوماسية. وهي شنّت هجوماً عنيفاً على باريس بسبب تصويت البرلمان الفرنسي لمصلحة مشروع قانون يجرّم إنكار إبادة الأرمن على أيدي العثمانيين بداية القرن العشرين. اللافت ان الغضب التركي لا يخلو، على الدوام، من رشوة العرب بكلمة، أو جبر خاطر. اليوم تعيّر أنقرةفرنسا بإبادة الجزائريين. تركيا تستخدمنا ملصق دعاية كلما غضبت. فعلت ذلك خلال أزمتها مع اسرائيل... تبيعنا كلاماً، رغم ان علاقاتها مع الدولة العبرية وصلت مرحلة المناورات العسكرية المشتركة، ناهيك عن التحالف الاستراتيجي. ما الذي يدفع الأتراك الى الغضب المفرط، والتعامل مع دولة بحجم فرنسا باستخفاف ونزق، على رغم ان القضية التي تدافع عنها انقرة تتعلق بالتاريخ، وتمس حقوق الإنسان. وموقف الفرنسيين، أياً يكن هدفهم، أخلاقي، فضلاً عن ان المسألة يمكن ان تُطرح عبر وسائل الإعلام، او من خلال حوار في غرف مغلقة. لكن أنقرة تأتي بقضها. السبب ان لديها اقتناعاً بأن الغرب يحتاجها. هي دولة إسلامية، وتقيم علاقات استراتيجية مع إسرائيل، والآن تنفّذ الرؤية الغربية في التعامل مع الملف السوري، ويراد لها ان تلعب في سورية الدور ذاته الذي لعبته إيران في العراق. أنقرة تعلم ان ليس في الإقليم حالياً غيرها، ولهذا ترفع صوتها، وتمارس دور الشريك وليس الشرطي المستأجَر، أو هكذا تتصرف. قارِن غضب الأتراك من إسرائيل خلال حادثة السفينة، بما يفعلونه اليوم مع الفرنسيين، ستدرك ان انقرة باتت على يقين من انها خيار الغربيين الوحيد للتعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وإن شئت ترتيب أوضاع الدول العربية، ناهيك عن أن صعود الإسلاميين، سيكرس تحمّل نهج الأتراك في الغضب. الدور التركي بات يحمل بعداً ثقافياً، والغرب يدرك أهميته في التعامل مع نتائج ما يسمى «الربيع العربي». قبل قرون دخلت تركيا العالم العربي بالطربوش ولقب الخليفة. واليوم تبدأ حقبتها الجديدة باسم الإسلام «المودرن». يبدو ان الشعار الجديد الذي يردده الغربيون هذه الأيام «تركيا هي الحل»، لذلك، لها ان تغضب على طريقتها.