د.عبد الرحمن الحبيب - الجزيرة السعودية على طريقة الصدمة الكهربائية، باغتنا الإعلامي عبد العزيز العيد العضو المستقيل من مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين بتصريحه عن عدم شرعية المجلس، فالدورة الثانية من أعمال المجلس انتهت يوم الجمعة الماضي، دون توجيه الدعوة لانعقاد الجمعية العمومية، ودون تحديد موعد الانتخابات لمجلس جديد! تساءل العيد متعجِّباً: «لماذا لا يعلن الوزير حلّ المجلس، لعدم شرعيته، ويدعو إلى انتخابات ثالثة جديدة؟»، وطرح تساؤلات حادة: «ماذا قدّم المجلس من إنجازات؟ هل دافع عن حقوق الصحفيين؟ لماذا تدار الهيئة وكأنها أملاك شخصية للبعض؟». أمين الهيئة د. عبد الله الجحلان، رفض هذا الأسلوب واصفاً إيّاه بأنه تجنٍّ غير أخلاقي وليس له ما يحدده، مؤكداً أنّ الهيئة قامت بمساندة الصحفيين.. ولم يتقدم إليها أي صحفي لمساعدته وتوانت.. وموضحاً الحاجة إلى المكاشفة والمهنية (موقع سبق الإلكتروني). إلاّ أنّ مكاشفة الجحلان لم تكشف ما سيحل بمجلس الإدارة المنتهية دورته، إذْ كان رده على هذا السؤال بأننا في آخر السنة المالية والأخيرة للمجلس الحالي ونحتاج بعض الوقت للميزانية، وللتحضير لعقد الجمعية العمومية .. الخ. ثمة سؤال آخر ينبغي أن يجيب عليه الأمين، هو: لماذا لم يتم التحضير منذ وقت سابق؟ للإجابة على ذلك يبدو أنّ الجحلان هرب إلى الأمام متسائلاً: ما الأعمال التي قامت بها الجمعيات الصحفية الخليجية أو العربية وتخلّفت عنها الهيئة؟ الإجابة سبق أن طرحها في إحدى ندوات صحيفة الجزيرة المدير الصحفي في صحيفة المدينة عبد الله العبدلي الذي كان عضواً في جمعية الصحافة الكويتية، بأنّ بطاقة العضوية في الكويت كانت تمنحه مميّزات اجتماعية ملموسة؛ بينما حالياً كما قال: «عندما تعرّضت لقضية مع قناة فضائية.. تقدمت لجهات عدّة لإنصافي ولم أتقدم لهيئة الصحفيين، كوني أعلم من البداية أنها لا تحمي أعضاءها، فوفّرت على نفسي عناء المشوار.» هل نحن بحاجة للقول إنّ النقابات الصحفية تقوم بحماية حقوق صحفييها من الإجراءات التعسفية وصيانة حرياتهم في التعبير وحرية الوصول للمعلومات، وتقوم بمنح امتيازات لحامل البطاقة الصحفية، بل إنّ بعض النقابات تعمل على توفير أراضٍ ومساكن لأعضائها كما في مصر.. بينما الإنجاز الأكبر للهيئة هو إنشاء مبنى جميل، لكنه حسب الإعلامي سلطان البازعي، مبنى بلا معنى.. فالمبنى شبه خاوٍ لا تتواجد به إدارة متفرّغة. وهنا نأتي لأحد أهم الانتقادات الموجّهة للهيئة وهي عدم وجود أمين عام متفرّغ مع إدارة متفرّغة للقيام بمهام الهيئة وتنفيذ الخطط والبرامج. هذا ما جعل عبد العزيز العيد يذكر في ندوة صحيفة الجزيرة التي أعلن من خلالها استقالته من مجلس إدارة الهيئة، أنه « لا يوجد أجندة أعمال أو إستراتيجية بوصفها خارطة طريق لتحقيق الأهداف.. فإذا كنا لا نجتمع ونتباحث وفق جدول أعمال فكيف نحقق تطلُّعات الصحفيين؟» ولا تعاني إدارة الهيئة من غياب التفرُّغ فقط، بل أيضاً من غياب الرؤية كما انتقدها سلطان البازعي. ولعل عدم وضوح الرؤية هو الذي سبب أن تبادر الهيئة مشكورة إلى إصدار بيانات تضامن إنساني ومهني راقٍ مع صحفيين خارج المملكة، بينما لم تقم بإصدار أي بيان تضامني مع صحفيين سعوديين تعرّضوا لإجراءات تعسفية من فصل أو إيقاف أو مضايقة.. طريقة الانتخابات أيضاً تعرّضت لنقد حاد، فهي تجري دون وضع برامج انتخابية، ودون قوائم انتخابية يجعل الناخب يدلي بصوته للقائمة وبرنامجها؛ بل لأفراد أجلاء لهم باع طويل ومكانة إعلامية مرموقة وخبرة عريقة في الإعلام، ومن ثم لهم فرصة الفوز دون تحديد فترة ينتهي بها حق العضو السابق للترشيح مجدداً، مما يلغي تكافؤ الفرص. ذلك ما دعا خالد المالك نائب رئيس الهيئة ورئيس تحرير الجزيرة للإعلان في وقت مبكر قائلاً: «لن أرشح نفسي لعضوية مجلس الإدارة في الدورة القادمة، انطلاقاً من اقتناعي بأنّ الفرصة يجب أن تُتاح لزملاء آخرين ممن ينوون الترشح..»، في تقديري، يمكن إجمال الإشكالات التي تعانيها الهيئة، في ثلاث: المشكلة الاجتماعية، اللائحة الأساسية، الإدارة التنفيذية. المشكلتان الثانية والثالثة ليستا معقدّتين، ففي الثانية يمكن تعديل اللائحة لتحقق المطلوب خاصة في مسألة الانتخاب التي تؤمن التنافس الحر وتكافؤ الفرص ومنع احتكار رؤساء التحرير (لكي لا تتحوّل الهيئة إلى خصم وحكم)، وتوسيع المشاركة لتشمل كافة الصحفيين المتفرّغين وغير المتفرّغين، لا سيما أنّ الهيئة تعاني من تناقص في عدد أعضائها. والمشكلة الثالثة يمكن حلها في تفريغ الأمين العام للهيئة مع جهاز إداري متكامل. أما المشكلة الاجتماعية فهي أكبر التحديات؛ وأقصد بها منظومة القيم الثقافية وما يتبعها من فهمنا قانونياً ومؤسسياً للهيئة. بعضنا لا يتصوّر الهيئة كمؤسسة مدنية بل يتصوّرها أفراداً نافذين على الطريقة الاجتماعية القديمة: المشيخة، مثل زعماء القبائل أو كبار التجار؟ ومن ثم طريقة تعاملنا مع الهيئة وطريقة فهمها لنفسها وتطبيقها لأعمالها. لقد وقعنا في حيرة بين نقد للهيئة بأنها لا تحمي الصحفيين، وبين قول أمين الهيئة أنها تقوم بحمايتهم لكنها لا تتحدث عن بعض مواقفها احتراماً لرغباتهم. كلا الطرحين المتناقضين يحملان مصداقيته، فالهيئة تقوم بالحماية ولكن من خلف الكواليس احتراماً للأعراف الاجتماعية. مثلاً، عندما يتعرّض صحفي للإيقاف فغالباً ما يلوذ بالكتمان ويلجأ شخصياً لأصحاب المقامات الإعلامية في الهيئة التي تمارس نفوذها الكبير في إعادة الحق لصاحبه بشكل ودي فردي غير معلن، لكي لا يُحرج صاحب النفوذ الآخر في المؤسسة الإعلامية. هذه ممارسة إنسانية نبيلة، لكنها غير مؤسسية لأنها تقوم على مبدأ نفوذ الأفراد «المشيخة» وليس مبدأ مجتمع المؤسسات والقانون الذي على أساسه قامت الهيئة. وإذا كان المبدأ الأول سليماً في المجتمعات التقليدية الصغيرة والمتقاربة، فإنه من المشكوك فيه أن ينجح في مجتمعات المدن الكبرى. إذا كان المثقفون والحقوقيون والناشطون طالبوا بمؤسسة مدنية مستقلة تحمي حقوق الصحفيين، فقد منحتهم الدولة ذلك منذ نحو عشر سنوات، وتحوّل الأمر إلى استحقاق اجتماعي، وحصلت انتخابات حرة مستقلة ونزيهة، شهدت بها مؤسسات محايدة مثل جمعية حقوق الإنسان.. فماذا فعلنا نحن بهذا الاستحقاق؟ الإجابة عند الدورة الثالثة القادمة التي لا نعرف متى.. وفي الأساس لم ننتبه أنّ الدورة الثانية انتهت لولا أن جاءنا العيد!!