د.عبد الوهاب أبو داهش - القاتصادية السعودية عندما يأتي وزير جديد يستبشر الجميع رغبة في بروز نتائج أفضل وتغييرات ملموسة. ويتطلع ولي الأمر إلى نتائج أفضل تخدم المواطن والمجتمع بشكل واضح وملموس خلال أربع سنوات مقبلة هي فترة التوزير الجديدة. ورغم ما حدث من تغيير وزاري متعدد إلا أن معظم الوزارات لم تشهد تغييراً ملموساً من قبل المواطنين والمقيمين لأسباب عديدة أهمها عدم قدرة الوزير على تغيير الأنظمة والتشريعات وبيئة العمل كل في اختصاصه، ناهيك عن تردد إحضار كفاءات عالية للمساعدة في إحداث التغيير ضمن خطة عمل سنوية واستراتيجية يؤمن بها الفريق الجديد. إن من الصعوبة التكهن بما سيقوم به الوزراء والمعالي في مناصبهم الجديدة، إلا أن المطالب التي ينادى بها أطياف المجتمع المختلفة كثيرة ومن الصعوبة تحقيقها جميعها. وفي هذا المقال سأركز على الوزارات المهتمة بالجانب الاقتصادي والمالي. ففي مجال التجارة، ما زلت أستغرب استمرار عدة أنشطة مهمة تحت مظلة وزير واحد. فوزارة التجارة والصناعة تشمل التجارة الخارجية، والداخلية، والصناعة بكل تشعباتها. وفي اعتقادي أن من أولى مهام الوزير الجديد هي إعادة هيكلة مؤسساتية لهذه الوزارة، وتقسيمها إلى عدة هيئات أو وزارات مستقلة على النحو التالي: الأولى: التجارة الخارجية، الثانية: التموين، الثالثة: الصناعة، والرابعة: هيئة للأنظمة والتراخيص مثل تأسيس الشركات، والسجلات التجارية وغيرها. ولو فعل ذلك، فإنها ستكون أهم المنجزات التي سيحققها، ناهيك عن النتائج الكبيرة والملحوظة التي ستتحقق وسيشعر بها الناس والاقتصاد. إن كبر حجم الوزارة وتعدد مهامها يفقدان الوزير وكذلك تابعيه الحماسة الكبيرة في التنفيذ لبطء اتخاذ القرارات عطفاً على المسؤوليات الكبيرة التي تلقى على كاهل وزير واحد يسمى وزير التجارة والصناعة. ولوزير الاقتصاد والتخطيط، والذي له باع في هذا المجال، أرى أن أهم الإشكالات تكمن في البيانات الإحصائية والاقتصادية والتي على ضوئها تبنى الخطط السنوية والخمسية للقطاع الحكومي ولقطاع الأعمال على حد سواء. ولعل خللا كبيرا يعتري هذه البيانات ناهيك عن عدم توافر الكثير منها، أو أن البعض منها للتداول المحدود مما يفقد هذه البيانات أهميتها. فالسوق متعطشة إلى إحصاءات المنتجين، والمستهلكين، ونمط الإنتاج والاستهلاك، والإحصاءات الأسرية، ومؤشرات الصادرات والواردات، ومؤشرات الاستهلاك والإنتاج، يضاف إلى ذلك إحصاءات التضخم وإعادة بناء مؤشره بشكل يعكس حقيقة الأسعار لكل قطاع. وفي الجانب التخطيطي، أرى أن إعادة تقييم الخطة العشرينية التي تبناها الوزير السابق مهمة للغاية، كما أن مراقبة منجزات القطاعات الحكومية السنوية وملاءمتها مع الخطط الخمسية هي أيضاً من المتاعب الكبيرة التي على الوزير الجديد التصدي لها بحزم وقوة حتى نتمكن من تحقيق أو الاقتراب من أهداف الخطط الخمسية، وليس اعتبارها مجرد تقرير يصدر وينشر للاسترشاد والاستدلال فقط. وبالنسبة لمؤسسة النقد، فإنها المؤسسة التي يجب أن تعنى فقط بالسياسات النقدية وتشريع وتنظيم ومراقبة القطاع البنكي. ففي الآونة الأخيرة، ومع نمو الاقتصاد السعودي بشكل كبير، أضيف إلى مهامها الترخيص لشركات التأمين وهذا أضاف أعباء إضافية ساهمت في تشتيتها عن التركيز على سياسة النقد وقطاع البنوك. ويجري الآن وضمن مسودة أنظمة الرهن العقاري جعل مؤسسة النقد معنية بإصدار تراخيص شركات التمويل العقاري، ومراقبتها، وهذه من الإضافات التي لا لزوم لها. إذا إن التأمين والتمويل العقاري قد تندرج تحت هيئات تنظيمية مستقلة، الأولى هيئة لتنظيم التأمين، والثانية هيئة لقطاع العقار على أن تتواءم أنظمتها وتشريعاتها مع أنظمة البنك المركزي ""ساما"" وهيئة السوق المالية، وألا تتعارض معها على الإطلاق. وفي اعتقادي أن سياسة سعر صرف الريال، والتضخم، والعملة الخليجية الموحدة، قد تكون من أهم التحديات التي ستواجه المحافظ الجديد الذي لديه خبرة عالية في قطاع الأسواق المالية وشركات الاستثمار، وهي التي قد تساعده على المشاركة مع وزير المال ومحافظ هيئة السوق المالية في تعزيز أنظمة وتشريعات السوق المالية. إن نجاح الوزراء الجدد مرهون أيضا بقدرتهم على تبني خطط أعمال واستراتيجيات واضحة وقوية، وتوظيف كفاءات عالية تساعدهم على تنفيذها، فالإدارات المتوسطة الحالية قد تكون عائقا كبيرا ومقاوما للتغييرات الجديدة، إلا أن رسم خطط عملية سنوية، واستراتيجية لأربع سنوات قادمة (هي فترة التوزير) غاية في الأهمية لإنجاح القادة الجدد، نبارك لهم وبالتوفيق.