راشد الغنوشي الأب الروحي لحركة النهضة الإسلامية في تونس، وفي زيارة له لواشنطن، بعد منع من دخول الأراضي الأميركية استمر 20 عاماً، هذه الزيارة ل «الشيطان الأكبر»، كما كان يردد الغنوشي في السابق، بعدما أصبحت أميركا الحليف القوي له ولجماعة الإخوان المسلمين، التي ترتمي في أحضان واشنطن، عدوها الرئيس، كما كانت تدعي في الماضي، ولكن الغنوشي وبعد قطف ثمار الثورات العربية من القوى التي قامت بها من الشباب العربي، بسبب غياب التنظيم والأحزاب، يذهب مهرولاً لتطمين واشنطن أن الإسلام وخطابه الذي كان يردده هو للداخل العربي، أما وقد وصل إلى الحكم فالوضع يختلف، خصوصاً في العلاقة مع الغرب، والعلاقة مع إسرائيل، التي طمأن الغنوشي أتباعها ومراكز القوى واللوبيات اليهودية، مثل مركز واشنطن، الذي دعا الغنوشي لزيارته، طمأن الاتباع عن موقف حزب النهضة والأحزاب المماثلة له من إسرائيل والعلاقة المستقبلية معها. الخطاب السياسي لهذه الحركات الإسلامية بدا يتغير الآن، ماذا نسمي ذلك؟ هل هو واقعية سياسية، أم أن الوضع تغير مع الوصول إلى الحكم في بعض الدول العربية، وتم تناسي خطاب الرفض والنبذ لإسرائيل، وحتى لأميركا نفسها؟! مللنا في الماضي القريب من تهم العمالة والخيانة من الغنوشي وحركة الإخوان المسلمين للأحزاب العلمانية وللحكومات العربية بسبب علاقتها مع الغرب، وأن هذه الأحزاب والحكومات هي جيوب للغرب، تأتمر بأمره وتنفذ أجنداته، الآن يهرول الغنوشي ويضع يده مع من كان يقول إنهم أعداء الأمس، وهذا قد يكون حقه، لتحقيق مصلحة بلده تونس، وهذا حق مشروع له، ولكن الغريب الذي لا يمكن السكوت عليه بالنسبة لنا في منطقة الخليج العربي، هو ما قاله بشأن الوضع الداخلي في منطقتنا، وعلاقة شعوب الخليج بحكوماتها، والغريب أن الغنوشي يطلق مثل هذه التصريحات من واشنطن ضد دول الخليج. هناك شيء في الأفق بين حركة الإخوان المسلمين وإدارات صنع القرار في واشنطن، من يستخدم الثاني ضد دول الخليج؟ هل الغنوشي عنده مرض الكره الأعمى لأهل الخليج، ولم يستطع أن يُشفى منه، منذ تأييده لصدام في غزوه الكويت، والذي ينكره الآن؟ ولكن ما قاله عن مستقبل الأنظمة الحاكمة في الخليج يدل على أنه لا يزال ينظر إلى أهل الخليج بمرضية عجيبة! الغنوشي يقول إن «الربيع العربي» سيكون على أبواب الأنظمة الحاكمة في الخليج في العام المقبل، وأنا أستغرب الدقة في التحديد لتوقيت ربيع في منطقة الخليج العربي، ويزعم أن الأنظمة الخليجية لا تختلف عن الأنظمة في سورية أو تونس قبل الثورات، وهذا في رأيي مخالف للصواب بشكل واضح جداً، فعلى رغم أن دول الخليج العربي لديها الكثير من التحديات التي لا يمكن إنكارها إلا أن مقارنتها بتلك الأنظمة القمعية غير عادل باعتقادي. يوجد الكثير من التحديات التي تواجه دول الخليج من قضايا بطالة وفقر وضعف في المشاركة السياسية وعدم الاهتمام بحقوق الإنسان، خصوصاً للمرأة في بعض الدول الخليجية، إلا أن دول وحكام الخليج يعملون بشكل جدي، ويقودون مشاريع الإصلاح المتعددة بشكل جدي وواضح للجميع، وليس للبهرجة الإعلامية، ولكن للتعامل الحقيقي مع مثل هذه التحديات، فالملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ أن كان ولياً للعهد، وبعد تسلمه الحكم، وهو يقود مشروعاً إصلاحاً ضخماً في القضاء والتعليم، ونشر ثقافة الحوار في المجتمع، وإشراك المرأة السعودية في عضوية مجلس الشورى، وفي المجالس البلدية، إضافة إلى دعم حقوق الإنسان ونشر الثقافة الحقوقية في المملكة، وأكبر دليل على ذلك هو فوز خادم الحرمين الشريفين بجائزة الإنسانية العربية الدولية لعام 2011، تلك الجائزة الدولية السنوية التي يتم إعطاؤها سنوياً لشخص واحد عبر العالم، ويتم إعطاؤه تلك الجائزة نظراً لتعاونه التام، ولتكريم جهود الدول والمؤسسات والمنظمات، وكذلك الأفراد، الذين بالفعل أسهموا في تطوير حقوق الإنسان حول العالم، التي يمنحها المركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي بمدينة أوسلو النرويجية. على «الغنوشي» أن يهتم ببلده تونس، البلد الجميل، وألا يكون أداة للغير، كما كان يتهم القوى والأنظمة العربية في الماضي، هذا إذا لم تكن له قراءة أخرى لشكل الشرق الأوسط الجديد، فلعله لذلك ضحى بسلطة تونس أملاً في حكم أوسع للمنطقة العربية، خصوصاً مع «الربيع العربي». سبحان مغير الأحوال، فمن كان يصف أميركا ب «الشيطان الأكبر»، مثل معلمه وملهمه «الخميني»، يتراقص الآن بين مراكز البحث الأميركية اليمينية ومجموعة «الايباك» اليهودية!