يوسف المحيميد - الجزيرة السعودية حينما يكتب أحدنا منتقدًا أساليب السلفيين ووسائلهم للوصول إلى البرلمانات في دول الربيع العربي، في الشمال الأفريقي، يفسر البعض أننا ضد الدين فورًا، وكأنما أي إخواني أو سلفي هو الدين ذاته، لا مجرّد منتمٍ لحزب أو طائفة، قد تتفق معها وقد تختلف، لذلك سأكتب عن الإخوان دون أن يأتي من يزايد على الإسلام كدين، وكأنما هم من نزل بالرسالة السماوية! صفق البعض وهلَّل لسيطرة حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لحزب الإخوان المصري، على نسبة كبيرة من مقاعد البرلمان في الجولة الأولى من التصويت، وقال البعض إنهم وصلوا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، لا على ظهور الدبابات، وقال البعض أيضًا، إننا جرّبنا حكم الاشتراكيين لمدة ستين عاماً، ولا بأس أن نمنح الفرصة لهؤلاء، وأقول لهؤلاء إن من حق هؤلاء أن يمارسوا السلطة، وأن يمنحوا الفرصة كاملة لإدارة شؤون البلاد، أي بلاد سواء مصر أو غيرها، لكنني كمواطن عربي أرفض أن تمنح الفرصة لهؤلاء لمدة ستين عامًا أخرى قادمة، فكل هذه الشعوب التي هبَّت بحثًا عن نسمة حرّية في عالم مستبد، لن توافق على المزيد من القمع والاستبداد، فأن يظهر دعاة سلفيون في مصر يحرّمون الديمقراطية من أولها، فهو مؤشر خطير، على أن المواطن المصري سيحرم من التصويت في الدورات القادمة، وأن السلطة لن تكون متداولة بين أبناء الشعب المصري ورجاله، بل سيأتي مستبدون آخرون، يكفِّرون من لا يوافق على إدارتهم للبلاد، وهذه كارثة جديدة. انظروا ماذا يقول الداعية المصري مصطفى العدوي، يقول بأن التصويت للمسلم الذي لا يصلي، والقبطي والعلماني والليبرالي الذين لم يتضمن برنامجهم تطبيق الشريعة الإسلامية، التصويت لهؤلاء حرام، ومن فعل ذلك فقد ارتكب إثماً كبيراً، وتجب عليه الكفارة. هكذا حصد حزبهم الأصوات، الدخول من بوابة الحرام والحلال، والتلميح التكفيري لمن لا يدخل في خندقهم، أو يعارض أفكارهم، فالسواد الأعظم من الشعوب العربية تؤثّر فيهم العاطفة، وتقودهم الكلمات الرنانة، والترغيب بالجنة والتهديد بالنار، وكأنما مفاتيحهما في أيدي هؤلاء، الذين لن نحتاج إلى وقت طويل، لنكتشف رفضهم للديمقراطية والحرية والعدالة، على عكس ما يشير إليه اسم حزبهم! ها هو عبدالنبي الشحات، أحد رموز التيار السلفي، ومرشح لعضوية مجلس الشعب المصري، يصرح بأن «الديمقراطية كفر» وأن روايات نجيب محفوظ تدعو إلى الرذيلة، وفيها فلسفة إلحادية، مما يعني أننا بانتظار أشخاص لا يختلفون عن الحزب الوطني السابق، فسياسة الحزب الوطني مارسوا التزوير في الانتخابات، وهؤلاء سيوقفون الانتخابات أصلاً، بحجة أن الديمقراطية كفر وحرام! هؤلاء سيفسرون الحرية بطريقتهم الخاصة، وستصبح أعمال نجيب محفوظ ممنوعة، لأن فيها رذيلة ودعارة في مقاييسهم، وستفقد مصر كثيراً من نجاحاتها السياحية، لأنه لا يجوز الاختلاط في الأماكن العامة، هؤلاء الذين امتطوا ثورة الشعب الحالم بالحرية، سيدخلون البلاد شيئاً فشيئاً في نفق لا آخر له. هل سينصرف هؤلاء إلى تنظيف البلاد وتطهيرها من سنوات الفساد الإداري والمالي، وهل سيحترمون نظاماً سياسياً ديمقراطياً يعتمد تداول السلطة وعدم التشبث بها، أم سننتظر ستين عاماً قادمة لتتخلص مصر من اسمها الجديد: مصرستان!