كل ما صدر من تهم تصل إلى حد الفكاهة في حق البيروقراطيين قد تقترب من الحقيقة إن لم تكن الحقيقة بأم عينها، لنتأمل بعض المشاهد من عمل البيروقراطيين. تبدأ المعاملة من بيروقراطي ناشئ إلى شخص أكثر بيروقراطية إلى أن تصل إلى بيروقراطي متخذ القرار بعد أن تعتليها التأشيرات والتواقيع وبعد كل ذلك يدون على المعاملة وبكل براءة للمفاهمة !!!، وغني عن القول تعود المعاملة بذات التسلسل حتى تصل إلى الشخص المعني، وعندما لا يرغب الموظف الجديد في الانخراط في السلك البيروقراطي فالتجميد أفضل وسيلة يرونها ملائمة معه حتى يتجرع البيروقراطية وتصبح في كروموسوماته ويكون قليل النقاش في كل عمل يراد أن يمرر دون نقاش حتى ولو كان السبيل تدمير نفسية الموظف الناشئ ليكون مستقيما مطيعا معطوب الفكر معطل التفكير ينفذ دون نقاش. مثال آخر عندما يكون مطلوبا من البيروقراطي اتخاذ القرار ولا يرغب في تحمل تبعاته أو يريد نتائج ولا يستطيع أن يقنع بها أي عاقل فأمامه أحد أمرين: إما أن يقوم بطلب دراسة من استشاري متخصص ليتم اتخاذ القرار بناء على توصياتهم (في حال كان البيروقراطي نزيها) ولم يطلب من الاستشاري إضافة النتائج التي يريدها ويرفع بتوصية مشيرا ومشيدا بنتائج الدراسة. أو كخيار آخر يقوم بتشكيل لجنة لإلصاق النتائج الوخيمة (من وجهة نظره) في توصيات اللجنة التي شكلها بمحض إرادته وبمعرفته الشخصية التي لا تستند مطلقا إلى الاجتهاد، لذلك لا عجب في أن يعرف البعض اللجنة بأنهم مجموعة من الأشخاص غير المهتمين يقومون بعمل غير مهم ويكلفهم شخص غير مهتم، وما ينطبق على الأمثلة السابقة ينطبق على العديد من المناقصات التي يتأخر تنفيذها أو صرف مستحقات نتيجة لتوقيع أوراق ناقصة أو خلاف ذلك مما لا يعلمه إلا الله.. ما يقوم به البيروقراطيون باختصار هو إدارة الإرادة بينما المطلوب منهم هو إرادة الإدارة، بين التعبيرين اختلاف في مواقع حروف النحو، وعلى أرض الواقع الاختلاف يقود إلى الأمام أو إلى الخلف فمن يدير عجلة التنمية بعيدا عن البيروقراطيين وفصيلهم الأكثر عمقا وإدراكا بأنجح الآليات لخدمة مصالحهم الخاصة والذين وصفهم الراحل غازي القصيبي رحمه الله بالرشوقراطي يكون ذا حظ عظيم.. ويبقى السؤال الأكثر إلحاحا ما هي خسائر الوطن من تواجدهم في مواقع مختلفة في الهرم الإداري؟ وكم يستغرق الوقت لاجتثاث أفكارهم ومعتقداتهم الإدارية المعطلة للتنمية؟.