أكاد أجزم بأن أهم كتاب سياسي يعبّر عن السياسة الأميركية، هو كتاب «نصر بلا حرب» للرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، والذي صدر العام 1988. تنبّأ نيكسون بانهيار الاتحاد السوفياتي، والوحدة الأوروبية، وصعود الصين، وأشياء كثيرة أخرى حدثت، فضلاً عن ان الكتاب قدّم رصداً دقيقاً لتفوق القرن العشرين في الاختراعات. وضرب مثالين بين العدو والصديق ب «مقايضة الأسلحة بالرهائن مع النظام الأصولي المتطرف في إيران، وبيع أسلحة بالبلايين لحكام العراق الراديكاليين». وقال، إن «الدرس القاسي من تجربتنا مع العراق هو أن صديق اليوم الضمني يمكن أن يصبح عدو الغد اللدود»، وكأنه قرأ، بوضوحٍ يعدّ سابقة، نهاية العلاقة بين نظام صدام وواشنطن. وهو حذّر من التساهل مع سورية وإيران «لنجاحهما في إطلاق بعض الرهائن الغربيين في لبنان». نيكسون قال: «علينا نحن الأميركيين والروس تناسي خلافاتنا والتحالف معاً لضرب الإسلام... الإسلام والغرب عالمان لا يلتقيان أبداً، لأن الإسلام يعادي كل من لا يؤمن به، وعلى الغرب أن يعمل، دوماً، لمواجهته، إذ أن الإسلام سيصبح قوة متعصبة، ينمو بنمو سكانه وحيازته على مصادر الثروة والمال والموقع الجغرافي». وهو نصح صنّاع السياسة الأميركية ب «المناورة داخل وكر أفعى، من سم النزاعات الأيديولوجية والصراعات الوطنية». لكن السياسة الأميركية تتحرك اليوم في شكل مغاير، وهي تتماهى، وعلى نحو لافت، مع صعود أحزاب التيار الإسلامي في دول ما يسمى «الربيع العربي». وصدرت عن الإدارة الأميركية تصريحات ترحب بالتعاون مع هذه الأحزاب، فهل فرّطت الإدارة برأي نيكسون الذي اعتبر أن التيارات الإسلامية «حلت محل الشيوعية كأداة أساسية للتغيير العنيف»، أم أنها تريد وصول الإسلاميين إلى السلطة لإيمانها ب «عدم قدرتهم على الإتيان بصيغة سياسية جاهزة»، واطمئنانها الى ان هذا الصعود لن يدوم طويلاً؟ أم هي تريد من يحرّضها على ابقاء حال الاستنفاروالعسكرة تجاه المنطقة؟ السؤال المهم هو: هل تحقق التيارات الإسلامية في العالم العربي التوقعات بالفشل، او باللجوء الى التصعيد والعنف، أم انها ستنجح، وتصبح مثل أحزاب اليسار المسيحي في الغرب، ترفع شعارات ثورية، وتصافح بأيدٍ من حرير؟