لا أريد أن أستبق الأحداث، أو أطلق حُكما مُسبقا على تجربة وليدة لم نرَ من نتائجها شيئا بعد، ولا أريد أن أحدَّد موقفا (إيجابا أم سلبا) من مستقبل ثقافي لا زلت أنتظر رؤية ملامحه، لكني في المقابل لم أستطع استيعاب مجريات انتخابات نادي جدة الثقافي والأدبي الجارية مساء الاثنين الماضي، ولم أتمكن من هضم طبيعة نتائجها الغريبة، حيث سقط عن المشهد الانتخابي قامات ثقافية معروفة برؤيتها الناضجة، ومشاركاتها الثرَّة، وانتمائها الكلي لمشهدنا الثقافي العام، فكان خروجها قسريا في هذه المرَّة، وبفعل عدم إجادتها للعبة الانتخابات، التي تقتضي ممارسة كثير من الجُهد التحضيري، والتخطيط المُبكر، والتجهيز بعقد الصفقات ليوم الحسم، وهو أمر بات واضحا جَهلُ طبقة النخبة الثقافية لكثير من تفاصيله، بل أجزم يقينا أن كثيرا من أولئك على الصعيدين الذكوري والأنثوي خاليَ البال من تلك الترتيبات، فلم تشغلهم حُمَّى التفاهمات السِّرية، بل أتصور أن كثيرا منهم قد رفضوا التفكير في مشروعية ذلك، فضلا عن الدخول فيه، فجاؤوا مُحملين بآمال وتطلعات تشكلت أبرز ملامحها عبر تقاسيم كتاباتهم وبحوثهم ومشاركاتهم الدؤوبة، وظنوا أنها لوحدها كفيلة بإيصالهم إلى حيث يتمكنون من تنفيذ ما أرادوه من خطط ومشاريع ثقافية جادة، تستند إلى مخزون وتراكم غير مجهول، لا كتلك البرامج المستنسخة المُنبَتَّة التي غالبا ما يُرددها الطفيليون بصورة باهتة ومُملة. تلك هي الحقيقة مع الأسف الشديد، حيث أسفر المشهد الانتخابي عن بروز عدد من الأعضاء المعروفين بشخوصهم وأدوارهم البارزة على الصعيد الأكاديمي والاجتماعي، لكنهم غرباء بشكل عام عن أروقة النادي الثقافي الأدبي بجدة، إذ لم تألف نسمات النادي وجوههم، ولم يستأنس المنبر بمشاركاتهم ومداخلاتهم، فكان أن أدى ذلك إلى حرمان الكثرة من رواد النادي عن الاستفادة من مكنوزهم الثقافي والأدبي، وهو ما حدا بالجميع إلى أن يترقب معالم ذلك المخزون، وأن ينتظر إطلالة الملامح الأولى لمشروعهم الثقافي، التي نرجو أن تواكب تطلعات وآمال مثقفي العروس، والأمل ألا يتأخر ذلك كثيرا، حتى لا تنكفئ جمهرة الأعضاء عن الحضور والتفاعل الإيجابي، وتستأنس لحالة الوداع غير المرغوبة. تبقى الإشارة إلى أني وبصفتي أحد أعضاء الجمعية العمومية، كنت في غاية اليقين بتولي الدكتور عبدالمحسن القحطاني رئاسة الدورة الجديدة للنادي، باعتباره الفائز بأكبر نسبة في الأصوات المنتخبة، يعضد ذلك اتفاق الجميع على حكمته في التعاطي مع كثير من الأحداث، وقدرته على احتواء مختلف أطياف المشهد الثقافي بصورة متناغمة سلسة، والأهم دوره الكبير في متابعة إنشاء الواجهة الأبرز للعمل الثقافي على مستوى مقرات أندية المملكة العربية السعودية وهي قاعة السيد حسن شربتلي، التي تحتاج إلى جهد مضاعف للمحافظة عليها وصيانتها بالشكل المطلوب، وقد كان بحكم طبيعة العلاقة الودية مع أبناء السيد الشربتلي، قادرا على تسهيل ذلك دون أن يتحمل النادي أعباء كبيرة. كما أني لم أكن عازما على أن أكتب في الموضوع، لكن انشغاليَ الذهني به، أدى إلى اصطدامي وقت الظهيرة بمركبة أمامية يملكها أخ سوداني حبيب، سرعان ما بادرني بالقول مُعاتبا بلطف» اللي واخذ عقلك يتهنابه»، فابتسمت وقررت لحظتها أن أكتب في الموضوع تلبية لرغبة صاحبنا الزول، وتأكدت رغبتي حين رن هاتفي ليفاجئني صوت يسأل عن مكان الحادث تحديدا، وإذا به جندي المرور، فشكرت الله على السرعة في الاستجابة، وحمدت له تلك الأخلاق والمهنية العالية.