بغض النظر عن مدى اتفاقنا او اختلافنا معه ، فإنه لا يمكننا أن نتجاهل عمق وخطورة الرؤية التجديدية التي يمتلكها المفكر الإسلامي وزعيم حزب النهضة في تونس الشيخ راشد الغنوشي ، للإسلام عموما وللسياسة الشرعية بوجه خاص . الشيخ راشد الغنوشي وعلى عكس الطرح السائد لدى جميع الحركات الإسلامية في العالم العربي ، كان موقفه واضحا وصريحا جدا من الديمقراطية والعلمانية وعلاقتهما بالإسلام . وموقف الغنوشي للحق ليس جديدا على صعيد التنظير ، لكن الجديد هو التزامه وحزبه بهذا الموقف بعد حصول الحزب على الأغلبية في انتخابات المجلس التأسيسي المكلف بوضع دستور جديد للجمهورية التونسية . الغنوشي أعلن صراحة أن أولويات الحزب تتمثل في إقامة دولة علمانية تستلهم مبادئ حقوق الإنسان وتقوم على التعددية وتحارب التمييز بكافة أشكاله . وللتأكيد على هذا المعنى فإن الحركة اعلنت عزمها العمل إلى جانب القوى السياسية الأخرى ومنها حزب المؤتمر من اجل الجمهورية المعروف بهويته اليسارية . الغنوشي يرى أن العلمانية ضمانة لإقامة حياة مدنية تقوم على المبدأ المعروف (( الأمة هي مصدر السلطات )) . وهو ما يعتقد الشيخ انه يتوافق مع مقاصد الشريعة الكلية ولا يصطدم بالثوابت الإسلامية طالما التزم الجميع وفقا للمبادئ الدستورية ، باحترام معتقدات الشعب التونسي وعدم المساس أو التعريض بالدين الإسلامي بأي شكل من الأشكال . وعلى صعيد الممارسة العملية فقد مثلت المرأة نصف عدد المرشحين المدرجين على قوائم الحزب الانتخابية ، كما فازت على لائحة الحزب سيدة غير محجبة . الحزب بعث عن طريق مرشحه لرئاسة الحكومة حمادي الجبالي ، برسائل تطمين للمستثمرين الأجانب والسياح بعدم سعي الحزب إلى فرض قوانين تقيد الحريات الشخصية . وقد أكد هذا المعنى الشيخ راشد الغنوشي في حديثه لقناة الجزيرة الأسبوع الماضي حيث خصص برنامج ( في العمق ) حلقة خاصة لمناقشة الغنوشي في رؤيته الخاصة والتجديدية للسياسة في الإسلام . الغنوشي أكد عبر هذا الحوار أن الحزب لن يمارس دورا فقهيا ، فالحلال بيّن والحرام بيّن ، والحكومة ليس لها ان تفرض على الناس الالتزام بالقواعد الشرعية على المستوى الشخصي ، لأن حمل الناس على ما يكرهون سيؤدي إلى تنفير الناس من الدين لا إلى تمسكهم به . الغنوشي يمتلك رؤية تستحق التأمل .