أربعمائة وسبعة وسبعون من الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم من سجون إسرائيل، حاول خادم الحرمين الشريفين استضافتهم في موسم حج هذا العام إلا أن السلطة الإسرائيلية منعتهم من أداء هذه الفريضة بدعاوى لا يعرف تخريجها إلى الصهاينة.. والمبرر أن هؤلاء لا يزالون ، في نظرها، إرهابيين، وأن وصولهم للحرمين الشريفين يعني إعادة تأهيلهم وتدريبهم ليعودوا لنفس العمل، وكأن المواقع المقدسة هي مراكز لتنظيمات سرية، لكنه سلوك إسرائيل عندما تمنع مَن تقلّ أعمارهم عن الأربعين عاماً من الصلاة في المسجد الأقصى، وتهاجم كلّ الأديان معتبرة أنها مجرد استنساخ لليهودية! في حين لم نر شعباً يجعل من دينه عرقياً مثل الإسرائيليين!.. لكن ماذا لو منعت دولة ما بعضَ اليهود من زيارة إسرائيل؟ فقد لا تكفي الاحتجاجات والإدانات، بل إثارة العالم كله واستعمال سلاح من يعادونها باسم السامية، والمؤسف أن معظم الدول في الكرة الأرضية، لا ترى جرائم إسرائيل أو تعمل على إدانتها وتسليط الضوء عليها.. فاعتراف اليونسكو بعضوية كاملة للفلسطينيين أثار مشاعر الحقد الإسرائيلية على المنظمة، فأوقفت عائدات الفلسطينيين المادية من الضرائب، وأعلنت توسع مستعمراتها في القدس وهو أسلوب العاجز، فالمفترض أن تمتد العقوبة على الدول التي اعترفت بها عضواً، لكنها لا تستطيع مقاطعة العالم، وإلا ظلت حبيسة حدودها، فكان الانتقام من الشعب الفلسطيني، هو الوسيلة الوحيدة للتنفيس ثم جاء منع الحجاج لذات الغاية والسبب.. إسرائيل، بهذه الأساليب توسع دائرة عدائها مع العالم الإسلامي، ومَن يؤمنون بالحرية، ومنها حرية الأديان وحقوق أصحابها، لكنها لا تقيم وزناً للآخر حتى لأولئك الذين يُنعِمون عليها بالعطايا والحماية العسكرية والدبلوماسية، والشعب الفلسطيني يناضل لأنه ليس أمامه إلا باب الحرية التي حرم منها، والزمن ليس واقفاً، بل إن التبدل في الرأي العام العالمي أصبح إحدى الوسائل التي ترعب إسرائيل، والدليل أن دولتين رئيسيتين في أوروبا، إنجلترا وفرنسا، أعلنتا أنهما ستمتنعان عن التصويت في مجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطينية وهما من درجتا على موالاة إسرائيل بالحق والباطل، وهو تغير نسبي، ولكنه مقدمة لما هو أكثر فهماً لطبيعة الصراع مع إسرائيل.. ومثلما كسرت الوسائل الحديثة للتواصل الاجتماعي أساليب التدليس والتضليل، فقد أصبحت سلاحَ مواجهة مع أنماط التغرير التي طالما استعملتها إسرائيل في دفاعها وغسل أدمغة العالم، لكنها الآن تواجه نمطاً من الردود الشعبية عليها ، وحتى من كان على علاقة تامة معها بات يدرك هذا البعد، والنظرة للصراعات العالمية من أفق أكثر انفتاحاً.. الآن ونحن نعيش موسم الحج، والذي أصبح أحد أبرز الأحداث التي اعتاد العالم على رؤيتها، عليه أن يدرك أن إسرائيل طاغوت عنصري وديني عندما حرمت أسرى فلسطين المفرج عنهم من أداء هذا الركن العزيز على أنفسهم..