ما يمكن أن تتأكد منه وأنت تتفرج على الثورات العربية هو أن الرئيس لا يخرج من القصر ولا يشاهد تلفزيونات العالم ولا يصدق أحداً، فالرئيس اليمني مثلاً كتب له شعبه كلمة واحدة هي «ارحل»، كتبوها على جباههم وعلى رؤوسهم الحليقة. كتبتها النساء بالحنّاء على كفوفهن وعلى وجوه الرضّع، كتبها الشباب على بيضة، كتبها الأطفال على حبل «النباطة»، وكتبها الفرّان على خبزه، وآخرهم وضعها في قدم حمامة وطيّرها عالياً «ارحل». وحين ضاق الشعب اليمني بهذا الرئيس الذي لا يسمع ولا يفهم كتبوا له لافتة كبيرة تقول «ارحل شلوك الجن». أما الرئيس السوري فبعد أن قتل 4000 شهيد سوري، منهم أطفال عذبوا وماتوا على أيدي الجنود في السجون، وبعضهم سلّموا لأهاليهم مقطّعي الأعضاء، وبعد محاولات الجامعة العربية مع موفديه أن تشرح له أن شعبه هو الذي يُقتل في الشوارع، وأن المنظمات العالمية غاضبة من معالجته للثورة، وأنه لا بد أن يعالج الأمر بحكمة وديموقراطية «لأنه أحرجهم»، خرج علينا في حديث مع صحيفة بريطانية يطمئننا قائلاً: «لا تقلقوا، إن الذين أقتلهم في الشوارع السورية هم الإرهابيون، وإن سورية ليست مصر ولا تونس». «تاني! هو احنا اللي حنقوله حنعيده يا بشار». احذر يا بشار، هذه هي الكلمة السحرية التي ما أن يقولها الرئيس حتى يسقط، بالضبط مثلما في الحكايات السحرية حين يقف علي بابا أمام المغارة السحرية ويقول افتح يا سمسم فتنفتح المغارة، لكنها هذه المرة مغارة الجحيم. ألم تسمع بحكاية فلكلورية تحذّر فيها الساحرة شاباً طويلاً وعيناه زرقاوان وتقول له لا تقل لسنا مصر ولا تونس، فيقولها فيسقط. هناك كلمتان سحريتان متلازمتان، واحدة ينتصر بها الشعب وواحدة يسقط بها الرئيس. الكلمة الأولى يقولها الشعب هي الشعب يريد إسقاط النظام، فيرد الرئيس نحن لسنا تونس ولسنا مصر فتنتهي الحكاية. لكنني لاحظت أن بشار هذه المرة لم يتبع التسلسل التاريخي، فلم يقل لسنا ليبيا، فهل فاتت بشار متابعة آخر الأخبار؟ أم أن مستشاريه من حزب البعث، الذي جعل الشعب السوري يعيش البعث والحساب في الدنيا قبل الآخرة، قالوا له «إن الصور مروّعة ولا ينصح بها لذوي الأعصاب المتوترة والمتورطة في ثورة». هل نسي بشار ليبيا ورئيس ليبيا الذي كان يحكمها بالحديد، الشهير بزنقة زنقة؟ معقول يا بشار لا تذكره، حتى بالأمارة هو من قال لشعبه أيها الجرذان. لم يقل إنهم إرهابيون مثلك لكنه قال تقريباً شيئاً مشابهاً، قال عنهم للصحافيين الغربيين «إنهم من الكاعدة» لأنه لا يوجد حرف قاف عندهم وحين يقول لهم «كاعدة» فهم يفهمون، هل تذكره سيد بشار؟ لا شك أنك لا تذكره لأن الرئيس حين يكون في خطر ينسى حتى شعبه. إن واحداً من أخطاء الحكام الذين ثارت عليهم شعوبهم هي أنهم لا يشاهدون إلا تلفزيونهم الرسمي الذي يضع الأخبار التي يريدها الرئيس، والتي تصف المحتجين بأنهم «كاعدة» وإرهابيون. ويطلبون من فنانيهم الكوميديين أن يكفّوا عن إضحاك الناس ويشهدوا معهم على الناس، كما فعل دريد لحام حين قال «يا حبيباتي، ياعيني هاي مؤامرة، وما «تسدقوا» غير تلفزيونكن السوري، ما تشوفوا الجزيرة والعربية هدولا بيكزبوا عليكن». وكاسك يا وطن.