ما أن حل "الربيع العربي" حتى بدأت نظرية الغرب لتعليم الديمقراطية للعرب تُدحض، ومع بداية قطف الثمار التي نضجت في تونس منذ أيام انتهت النظرية تماما.. ما أن حل "الربيع العربي" حتى بدأت نظرية الغرب لتعليم الديمقراطية للعرب تُدحض، ومع بداية قطف الثمار التي نضجت في تونس منذ أيام انتهت النظرية تماما.. وأثبتت الثورات التي التهبت حيث ترسخت الأنظمة الدكتاتورية أن العرب قادرون على معرفة ما يريدون، وبإمكانهم صناعة الديمقراطية بدل تصديرها إليهم من الخارج. وبرغم أن الثورات انطلقت من الداخل بصورة شعبية وليس انقلابية وهي ثقافة جديدة على العرب، إلا أن الأنظمة كالت الاتهامات للشعوب وللغرب، فالشعوب الثائرة لم تكن في البداية برأيها سوى مجموعات من الرعاع أو "الجرذان" أو المندسين أو العملاء المتآمرين مع جهات خارجية تفننت بعض الأنظمة في تسميتها.. أما الغرب فهو، طبقا للتصريحات الرسمية، متآمر ضد الدول "الصامدة" التي أدرك بعض رؤسائها أن لديهم شعوبا وليس قطعانا، وجعلهم هول الصدمة يخاطبون شعوبهم ب"أيها الشعب العظيم"، ويخوّفون الكرة الأرضية بما يحدث من كارثة إن تولى "غيرهم" السلطة بعدهم، ليضعوا أنفسهم بسذاجة في إحدى كفتي ميزان وهذا ال"غير" في الأخرى. ولأنهم لم يستفيقوا بعد من الصدمة، فقد احتاروا في هذا ال"غير"، وأطلقوا عليه كثيرا من التسميات من "قاعدة" و"معارضة ممولة من الخارج" و"شوية عيال" و"جماعات سلفية"...، وهنا نكتشف الثقافة الضحلة، لأن "السلفية" ليست نقيصة، ولو عرفوا مفهومها الحقيقي لما تورطوا باتهاماتهم، وممارسات بعض المنتمين ل"السلفية" أو من ألصقوا أنفسهم بها لا يعني أبدا أنها سيئة. لكن التعلق بحبل الخلاص قادهم إلى اختراعات وروايات عجيبة، منها أن ما يحدث طُبخ في الغرب وهم في هذه الرواية يعودون إلى اعتبار شعوبهم مجرد قطعان مشت وراء "الشيف" في المطبخ الغربي بعد أن مشت عقودا وراءهم. منذ بدأ عام 2011 وشعوب "الربيع العربي" على اختلاف حالاتها تصنع ثقافة جديدة للثورات، أقوى ما فيها تدرجها في المطالب باحتجاجات سلمية، غير أن الأنظمة التي اعتادت على القمع في بعض البلدان التي شهدت ثورات لم تتخيل أنه لم يعد سلاحا مجديا، فقمعت أصحاب المطالب الصغيرة، ولم تفكر بأنه كلما ازداد عدد المتظاهرين صعبت السيطرة عليهم وكبرت مطالبهم.. وهكذا ظلت المطالب تتصاعد حتى وصلت إلى السقف بالمطالبة بسقوط الأنظمة. لتُظهر الثورات ثقافة أخرى تمثلت بمنح فرص الإصلاح للأنظمة، وبرفض تلك الفرص لم يكن أمام الشعوب سوى الاستمرار بثوراتها، ولم يبق أمام قامعيها سوى الرحيل كنتيجة حتمية ل"الربيع العربي".