أول شخص حرصت أن أعرف ردة فعله على مقتل القذافي كان فلكهارد وندفور ، رئيس مكتب جريدة دير شبيجل في القاهرة ، لماذا هذا الشخص بالذات .. ؟ وندفور صحفي الماني يعمل في المنطقة العربية منذ أكثر من 50 عاما إلى اليوم، وهو أول صحفي غربي قابل القذافي بعد ما كان يسمى بثورة الفاتح مباشرة 1969 في مقر إقامته في عمق الصحراء، وفي هذا اللقاء قبل 42 عاما قال القذافي لزميلنا الألماني: "إني أعرف ربي ماذا يريد مني" فقال له وندفور: "هل أنت نبي" فرد القذافي "أنا لست نبيا ولكني أعرف ربي ماذا يريد" ولم نعرف رب القذافي إلا بعد نهايته فرب القذافي هو القذافي ذاته، بقي بالحكم نصف قرن تقريبا وهو لم يعرف الله جل شأنه ماذا يريد أو لا يريد أن يعرف، وفي بعض المواقف لم يعرف حتى الله، وكل ما كان يعتقده ويؤمن به إيمانا واضحا أنه إله يقوم بمهمة مقدسة تبدأ منه وتنتهي إليه .تاريخ القذافي بشكله الأسطوري يبتعد كل الابتعاد عن الصفات الإنسانية، ويجعلنا أمام إله من آلهة الشر في الأساطير القديمة، وكل من أنكر عليه صفاته المتوحد بها مع القداسة حق عليه العذاب ، حتى أصبح الشعب الليبي بحزن طاغ ...، ولكن بجانب هذا الحزن كان هناك أمل وثقة بأن الله سينصرهم بهذه الحياة رغم الطغاة . القذافي انتهى وبثلاثة حروف "مات" وحكمه "راح". .. وبعد هذه الفترة المظلمة من التاريخ الليبي ستبدأ تتشكل الحياة السياسية والثقافية هناك من جديد ، وبها من معطيات الحياة والاستمرار الشيء الكثير التي لو أحسن استخدامها لشهدنا قيام دولة عصرية غنية تلامس كل آفاق التنمية والنجاح ، إلا إن المخاطر وإن كانت ليست كثيرة ولكنها حاضرة ووجودها أصيل في الواقع الليبي وهي التي سوف تحدد شكل التحديات والمصاعب التي ستواجه الشعب الليبي ، فالمجتمع الليبي مجتمع قبلي والقبيلة لها حضور قوي يصعب تجاوزه ممارسة وانتماء ،وهذا كله له انعكاس شديد التأثير على الحياة السياسية والتي ربما جعلت الشعب الليبي أمام تحالفات قبلية تتكون منها النواة الأولى للحياة السياسية ، وإن كان ذلك فنحن هنا أمام تشكل جمهورية قبائل تستأثر كل قبيلة بحكم إقليمها القبلي مع التوافق على حكومة مركزية منتخبة على غرار الجمهوريات الاتحادية في أوربا ، ومن التحديات أيضا ان الواقع الليبي يسجل حضورا واضحا للحركات الإسلامية المتشددة والمعتدلة وكلا التوجهين لهما مطامح سياسية وهذا طموح مشروع بسبب دورهما الواضح في إنهاء حكم القذافي ، فهل السياسة الليبية تقبلهم كثوار وترفضهم كمشاركين فعليين في بناء الحياة السياسية والدستورية ؟ . القضية المهمة جدا وشديدة التأثير والتي لم يتم التركيز عليها بشكل المطلوب هي قضية الإثنيات في ليبيا ونقصد بها الأمازيغ الذين كان لهم دور كبير في تحرير طرابلس من قوات القذافي وبمساعدة مهمة من أمازيغ تونس ، هل سنشهد مطالبة باعتماد اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبربر في أماكن وجودهم؟ والأمازيغ هم الأكثر خبرة إدارية والأكثر تنظيما في ليبيا الآن. تحديات الواقع الليبي ليس تحديات جديدة ولكن ظهورها على سطح الواقع هو الشيء الجديد ، فهل بقي شيء من جنون القذافي بعد مقتله ، يمكن استخدامه كمحرك للشر للتعامل مع هذه التحديات في المستقبل؟ هذا الشيء الذي لا نتمناه ولايتمناه معنا صديقنا الألماني .