د. عدنان بن عبد الله الشيحة - الاقتصادية السعودية الاتهامات التي وجهتها الولاياتالمتحدةلإيران حول تورطها في محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن السيد ابن جبير تثير تساؤلات عدة في ظل الظروف المحتدمة التي تعيشها المنطقة على جميع الجبهات، خاصة في البحرين وسورية. كما أنها تستدعي فهمها في إطار العلاقة الأمريكية - الإيرانية، التي تعكس حالة من تقاطع المصالح وتسخير جميع الأوضاع حتى تلك التي تبدو على شكل تهديدات وتنديدات وتظهر العداء والصراع بين الدولتين على الأقل إعلاميا. الولاياتالمتحدة تسعى إلى إعادة دور إيران كشرطي قوي كما كانت في زمن الشاه، لكن هذه المرة بنص جديد وحذر لتكون إيران أشبه ما تكون بكلب حراسة شرس، لكن مقيدا بحبل تمسك به الولاياتالمتحدة، وهي من تحدد طوله ومداه وعلى من ومتى تطلقه. وربما تقديم العراق على طبق من ذهب لإيران أكبر دليل على الدور الذي ترسمه الولاياتالمتحدةلإيران في المنطقة ويعززه موقفها الأخير المؤيد إلى حد كبير لمثيري الشغب في البحرين على الرغم من المسعى الجاد للحكومة البحرينية لتطوير العمل الديمقراطي المؤسسي في البلاد، إضافة إلى التنازلات والتعامل الحضاري اللين من قبل المسؤولين في البحرين. وفي المقابل، وبشكل يثير الدهشة، تغض الطرف عما يجري في إيران من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، خاصة الأقليات في منطقة الأحواز وما تمارسه من إرهاب وتهديد للسلم في المنطقة وتحد للإرادة الدولية في استمراراها في برنامجها النووي، وتكتفي الولاياتالمتحدة بالشجب والتنديد على استحياء إعلاميا. وبنظرة فاحصة لخريطة المنطقة الجيوسياسية نجد أن الولاياتالمتحدة تسعى إلى إيجاد توازن بين المد الشيعي، الذي تمثله إيران الصفوية والقوة السنية المعتدلة ممثلة في السلفية السعودية. وترى الولاياتالمتحدة أن هذا التوازن يعمل لمصلحة إسرائيل في المقام الأول، وثانيا يمنحها سيطرة وتحكما أكبر في المنطقة، خاصة أن منطقة الخليج تمثل أهمية استراتيجية كمصدر رئيس للطاقة. جميع تلك العوامل مؤشرات تتطلب التوقف عندها كثيرا لفهم محاولة الاغتيال ومن المستفيد منها، أو حتى إذا ما كانت تعني تبادل رسائل تؤكد نهج الولاياتالمتحدة في تأجيج الصراع القائم في المنطقة والجارتين الكبيرتين على ضفتي الخليج. لا شك أن إيران تمتلك سجلا حافلا بالعداء لجيرانها، ولا يحتاج إلى جهد كبير في التدليل على ذلك، وما احتلال الجزر الإماراتية والأعمال الإرهابية التي ذاقت ويلاتها الدول العربية الخليجية وعانتها كثيرا منذ اندلاع ثورتها وتأسيس الجمهورية الإسلامية إلا شواهد واضحة للجميع. ومع ذلك ينبغي استيعاب الصورة الكبرى، وأن إيران إنما تمثل أحد أطراف المعادلة، وهذا يعني أن السعودية بحجمها السياسي والاقتصادي وعلاقاتها الدولية وخبرتها وحكمتها، وكما في تجارب وأحداث سابقة يتوقع منها استراتيجية استباقية ومبادرات إيجابية لقلب الموازين لمصلحتها، فبعد أحداث سبتمبر - على سبيل المثال - سعت إلى فتح آفاق أوسع في علاقاتها السياسية وتعاملاتها الاقتصادية في توجه واضح نحو تنويع مصادر الاستيراد للسلع الاستراتيجية. كما أن تحركها في التوقيت المناسب نحو ضم الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي تحسب للدبلوماسية السعودية بقيادة وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل. إيران كدولة تعاني اقتصاديا وسياسيا، وهذا ما يجعلها تشعل الصراعات هنا وهناك لتظل حالة الطوارئ في الداخل مستمرة لتبرر للملالي المتطرفين إحكام قبضتهم على الإصلاحيين من داخل النظام نفسه وخارجه. مشكلة الإيرانيين أنهم يتصرفون من خلال أيديولوجية مذهبية لتختزل مصالح إيران الدولة في مصلحة المذهب. ليس ذاك وحسب، لكن لديهم مخططا لإعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية البائدة ابتداء من الإصرار على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي ورفضهم مقترح تسميته الإسلامي إلى كتبهم المملوءة بالأخبار والأحاديث التي تمجد الفرس وتهين العرب وتسب رموزهم. لذا هم يمتطون المذهب ويوجهونه لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي في غفلة من عموم الشيعة العرب. هذه العنصرية الإيرانية التقطها الأمريكان وعلموا أن التوافق بين إيران وجيرانها العرب قد يكون مستحيلا، وهو ما استثمروه وراهنوا عليه ليمنحوا إيران الضوء الأخضر في تطوير ترسانتها من الأسلحة الاعتيادية وأسلحة الدمار الشامل. إن بإمكان الولاياتالمتحدة وحليفتها إسرائيل ضرب المفاعل النووي لإيران كما فعلوا في العراق وسورية. السؤال: إذاً لماذا لم تقم الولاياتالمتحدة بذلك واكتفت بالتهديد من بعيد؟ والجواب بكل ببساطة لن تقدم الولاياتالمتحدة على ضرب المفاعل النووي على أقل تقدير ليس بالمنظور القريب، فالإيرانيون يقومون بمهام موكلة إليهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون. التصرفات الإيرانية العدائية تجاه جيرانها في المنطقة وغيرها من البلدان العربية والإسلامية لا شك تضعف شوكتها ويجعلها جميعا في موقف التابع المستسلم للقوى العالمية. إن الاتهامات الأمريكية حول محاولة اغتيال السفير السعودي تستدعي فهمها في سياق الأحداث التاريخية، فمن جهة هو تهديد مبطن لإيران وتذكيرها بأن اليد الأمريكية تطولها وهي في مرماها حتى لا تتمادى وتصدق أنها دولة تستعصي عليها، ولتكون ورقة تهديد ومقايضة في يد الولاياتالمتحدة تمنحها المبرر لضربها متى شاءت. إن اتهام إيران بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي ليس بغريب على دولة إرهابية إجرامية تمارس النفاق السياسي، فهي من جهة تدعو إلى الوحدة والأخوة الإسلامية، ومن جهة أخرى تتصرف تصرف الأعداء الحاقدين. لقد حان الوقت لأن تصنف إيران كدولة عدوة ويتم التعامل معها من هذا المنطلق إلى حين تقلع عن ممارساتها الاستفزازية وتدخلاتها في شؤون الغير وزرع الفتن والتأجيج الطائفي. ومهما يكن الأمر فليعلم الأمريكان والإيرانيون أن السعودية بحكمتها لن تنجذب للعبتهم القذرة وستراهن على وحدة وقوة وصلابة شعبها ولحمته مع قيادته والوقوف صفا واحدا بجميع مكوناته وفئاته في وجه من يضمر الشر ويحاول النيل من وحدتها وترابها الوطني.