ثمة وثائق من تاريخ ألمانيا النازية والحركة الصهيونية تؤكد أن تعاوناً استخباراتياً حصل بين الجانبين، وأن هذا التعاون حصل بين ضباط ألمان وأكثر الجماعات الصهيونية راديكالية. بموجب هذا التعاون كان رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق اسحق شامير يفاوض الضباط الألمان على نقل يهود إلى فلسطين من مناطق تحت الاحتلال النازي في اوروبا الشرقية مقابل خدمات استخباراتية ومالية. أي أن الكراهية العنصرية بين الجانبين وحرب الإبادة التي كانت تشنها النازية على اليهود، لم يمنعا تبادلاً في المصلحة بين النازية والصهيونية. هذا في الحرب العالمية الثانية. وفي العصر الحديث، لجأت طهران، في ظل حكم الخميني، إلى تاجر سلاح إيراني الأصل من اجل ترتيب صفقة قوامها الحصول على سلاح من الدولة العبرية، عبر مصفاة أميركية، خلال حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق. وذلك رغم العداء المعلن بين إيران من جهة وإسرائيل والولاياتالمتحدة من جهة أخرى. وهنا أيضاً حملت المصلحة عدوين إلى التعاون. وفي الغضون، تكثر المعلومات عن شبكات تهريب الأموال والأحجار الثمينة والمخدرات تعمل، في أفريقيا وأميركا اللاتينية وحتى الولاياتالمتحدة وأوروبا، لمصلحة إيران و»الحرس الثوري» وفروعه، خصوصاً «حزب الله». وقد صدرت إدانات من محاكم لأشخاص بمثل هذه التهم في اكثر من دولة. أي أن المصلحة تبرر التعاون مع شبكات التهريب والجريمة من دون أي اعتبار للأخلاق. كما أن أعمال عنف واغتيال كثيرة نسبت للاستخبارات الإيرانية في اكثر من عاصمة. بعض هذه الأعمال ما زال قيد التحقيق وبعضها تفخر طهران بأنها نفذته. كل ذلك للقول إن طهران لا تتردد في استخدام أي وسيلة عندما يتعلق الأمر في تنفيذ ما تعتبره مصلحة لها، من دون كثير اعتبار للطرف الآخر في تنفيذ هذه المصلحة. بكلام آخر، ثمة نهج إيراني قوامه أن المصلحة تبرر الوسيلة. وليست هذه الوسيلة متطابقة دائماً مع الأهداف المعلنة رسمياً للحركة الإيرانية. في هذا المعنى إذا كان ثمة اعتراض، أو اتهام، يمكن أن يوجه إلى السلوك الإيراني، فهو يتناول صلب هذا النهج. قد تكون الانتقادات الموجهة إلى الاتهام الأميركي ل «الحرس الثوري» بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، عبر شبكة تهريب مخدرات، ترتبط بما أعلن حتى الآن من المخطط. وتركز هذه الانتقادات، في معظمها، على أن الأسلوب ليس بالاحتراف المعروف عن الأجهزة الإيرانية، وعلى ثغرات في الرواية الأميركية. لكنها تسقط حكماً عندما تتجاوز الجانب التقني - الجنائي المرتبط بمحاولة الاغتيال إلى النهج السياسي الإيراني العام في تنفيذ ما يُعتبر مصلحة إيرانية. فهذا التخطيط، في ذاته، يعبر عن نقلة في التصعيد إزاء المنطقة الخليجية، خصوصاً السعودية. وذلك بالارتباط مع المناهضة العلنية من دول مجلس التعاون الخليجي للسياسة الإيرانية في المنطقة. سواء تلك المرتبطة بكشف شبكات التجسس والتدخل في الخليج، لمصلحة مجموعات بعينها، أو بالأزمة السورية المتمادية. ولا يُستبعد أن تكون السياسة الهجومية الإيرانية المستمرة في المنطقة قد وصلت إلى حدودها القصوى، ما يدفع إلى الانتقال إلى مرحلة العدوانية الصريحة. وهذا ما يعلنه قادة «الحرس الثوري» بصراحة، في كل مناسبة. وهذا هو المهم في كل ما تكشف حتى الآن من مخطط الاغتيال. إذ أن التفاصيل التقنية قد تكون عرضة للنقصان أو الزيادة، لكن الأساسي هو انتقال السياسة الإيرانية إزاء المنطقة إلى مرحلة من التصعيد والتهديد المباشر.