يجب أن نقتلع السجون المزروعة في داخلنا على شكل أحلام كلاسيكية، ونبدأ بالتفكير في أحلام جديدة لم يسبق أن منحناها وقتنا وخيالنا. علينا أن نطرح أكثر من خيار أمامنا قبل أن نسلم حياتنا لمكان قد لا تستحقه ظلت باربارا والترز طوال سنوات مراهقتها تتطلع إلى أن تصبح مضيفة طيران. تنتقل من طائرة إلى طائرة. من دولة إلى أخرى. كانت رفيقاتها في الفصل يرسمن ساعات وخواتم مرصعة بالألماس على كتبهن ودفاترهن، لكنها كانت على النقيض تماما. ترسم طائرات بأجنحة ضخمة تطبع عليها أول حرف من اسمها بخط عريض. وإذا ملت من الطائرات رسمت صور قبعات أنيقة كالتي تعتمرها المضيفات. كانت مأخوذة بهذه المهنة على نحو بالغ انعكس على حياتها واهتمامها. لكن عندما تقدمت باربارا للالتحاق بوظيفة شاغرة أعلنت عنها إحدى صحف نيويورك ارتطمت بالرفض بذريعة قصر قامتها. حاولت غير مرة بيد أن محاولاتها باءت بالفشل. حزنت كثيرا إثر تحطم حلمها أمامها. شعرت أنها أتعس إنسان على وجه الأرض، لكن دون أن تعلم كانت في طريقها لتصبح أسعد من يمشي على البسيطة. فقد تابعت دراستها للغة الإنجليزية بتركيز حتى تخرجت بتفوق من كلية سارا لورانس في نيويورك، قبل أن تلتحق ككاتبة بشبكة (سي بي اس) الشهيرة. وفي عام 1961 انضمت إلى شبكة (ان بي سي) كباحثة في برنامج (توداي شو) ثم عملت في أكثر من برنامج ككاتبة ومراسلة ومقدمة حتى حطت رحالها في شبكة (اي بي سي). وهناك قدمت عدة برامج من أهمها 20/20 الذي أنتجت عبره مواد خاصة مميزة ما زالت راسخة في أذهان الكثير من الأميركيين وغير الأميركيين في السبعينات. أدى نجاحها المدوي إلى أن تكون وجها لوجه مع زعماء العالم بأسره كمحاورة ومضيفة. التقت معظم زعماء العالم في حوارات خاصة. النجاح الكبير الذي حققته جعلها نجمة يتابعها الملايين حول العالم، ويتمنون أن يحذوا حذوها ويصبحوا مثلها. يلتقون الملوك والمشاهير، وتتصدر صورهم أغلفة المطبوعات والتقارير. ماذا لو كانت باربارا ظفرت بوظيفة مضيفة طيران، هل هذا سيكون حالها؟ أشك في ذلك. هل أحدنا يعرف اسم مضيفة طيران شهيرة؟ القليل منا يفعل. لكن الملايين يعرفون اسم والترز. خلاف الشهرة والمجد والمال الذي تملكه باربارا فهي تشعر بسعادة داخلية غامرة. أجابت والترز على سؤال نيويورك تايمز عن حياتها الحالية فقالت: "أكاد أطير من الفرح. ألا يكفي أنني في صحة جيدة وما زلت أعمل؟" رغم تجاوز باربارا الثمانين إلا أنها ما زالت متقدة وتتمتع بإطلالة مميزة. ربما لو عملت مضيفة طيران لتقاعدت مبكرا وظلت في منزلها وحيدة. إن ما نالته والترز في اختيارها الثاني يفوق كثيرا ما كان ينتظرها في خيارها الأول. كانت تأمل أن تكون مضيفة طيران، لكنها أصبحت مضيفة لأهم البرامج الحوارية التلفزيونية في العالم. أحيانا أحلامنا تسجننا، قضبانها أكثر شراسة من تلك المغروسة في الزنزانات والسجون. يجب أن نقتلع السجون المزروعة في داخلنا على شكل أحلام كلاسيكية، ونبدأ التفكير في أحلام جديدة لم يسبق أن منحناها وقتنا وخيالنا. لن تتاح لنا جميعا الفرصة التي حظيت بها باربارا عندما رُفضت كمضيفة طيران. ربما نقع في مصيدة أحلامنا التقليدية. ونحصل على ما نبتغيه. وتسجننا وظائفنا حتى نهايتنا. إذا كنا نشعر بتعاسة في أعمالنا فنحن قطعا معتقلون في سجون شيدناها في خيالنا بأنفسنا وندفع إزاءها ثمنا باهظا من أعصابنا ومزاجنا وعمرنا. يجب ألا نحصر حياتنا في حلم واحد. علينا أن نطرح أكثر من خيار أمامنا قبل أن نسلم حياتنا لمكان قد لا تستحقه. ولا عيب أن نغادره عندما يخذلنا. أثق أنه ثمة حلم مخبوء في مكان قصي في داخلنا. يجب أن نعثر عليه. قد نحتاج إلى وقت طويل قبل الوصول إليه، لكن لا يجب أن نكف عن الاستكشاف والمحاولة. الأشياء الجميلة ترهقك قبل الحصول عليها، لكن طعمها شهي، أكثر مما تتصور.