نبيلة حسني محجوب - المدينة السعودية من أبسط وأهم آليات الديمقراطيات الحديثة، الشفافية، التي تمثل عين الديمقراطية؛ فبدون الشفافية تصبح الديمقراطية عمياء! (يكون الفعل أو النشاط شفافًا إذا كانت المعلومات حوله متوفرة وواضحة.. وفي الثقافة الإنسانية تتخذ معاني الانفتاح والاتصال والمحاسبة.. والشفافية بمعناها المستعار من علم الفيزياء/ تعني المادة الشفافة الواضحة الزجاجية بحيث يمكن رؤية الطرف الآخر من خلالها)، لذلك تبدو الانتخابات المرتقبة في أدبي جدة، بعيدة عن المناخ الديمقراطي، الذي حرصت وزارة الثقافة والإعلام على تهيئته، وإصلاح تربته، من خلال خطواتها الإجرائية، وتصريحات معالي الوزير د. عبدالعزيز خوجة لوكالة الأنباء السعودية: (إن وزارة الثقافة والإعلام ترعى هذه التجربة الوطنية، وتجتهد في تحقيق أقصى درجات الضبط لها)، وقال معاليه أيضًا: (إن الوزارة تقف بكامل أجهزتها لدعم خيارات المثقفين والأدباء وأعضاء الجمعيات العمومية، وتضع إمكاناتها في خدمتهم، وتدعم المثقفين والمثقفات جميعهم، وترحب في الوقت نفسه بأي رؤى وتوجهات وملاحظات يقوم المثقفون والمثقفات بإبدائها وكتابتها ورفعها إلى الوزارة لدراستها). من هذا المنطلق أعرض ملاحظاتي على التجربة الانتخابية في أدبي جدة والتي تناولت جزءًا منها في مقال سابق بعنوان: (نقد التجربة الانتخابية في أدبي جدة) يوم الأربعاء 17/8/2011م ودار حول الشروط وحق الاستثناء والإخلال بالمادة الثامنة من اللائحة التنظيمية الصادرة عن الوزارة، أما اليوم فالموضوع يمس جوهر العملية الانتخابية، وهي الشفافية، التي وردت في تصريح د. ناصر الحجيلان وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية في المؤتمر الصحافي/ عكاظ/ السبت 12/10/1432ه عندما قال: (المؤتمر يأتي ضمن رغبة الوزارة في الشفافية والوضوح والتواصل مع الإعلام بعيدًا عن الاجتهادات والتأويلات والاتهامات). يبدو أن أدبي جدة يعمل في معزل عن هذه الروح الشفافة التي تتبناها الوزارة، بدليل هذا التعتيم والتكتم، الذي يمثل خنجرًا مرشوقًا في قلب الديمقراطية؛ فإذا كانت الانتخابات جوهر الديمقراطية وعمودها الفقري، فإن الشفافية هي روحها التي تمدها بالحياة والحيوية، وعينها التي ترى بها، وبدونها تصبح الديمقراطية عمياء، وهذا ما يحدث للأسف للديمقراطية (الموهومة) التي يعكف على إنجازها -افتراضًا- أدبي جدة. تناولي لتجربة أدبي جدة، لا تعني أني لست معنية بالأندية الأدبية الأخرى، بل متابعة للحراك الثقافي في الوطن بامتداده، ككاتبة وناشطة ثقافيًا واجتماعيًا، وكمواطنة تدربت جيدًا على الانتخابات وآلياتها، وتفهم تطبيقاتها بتفصيلاتها الدقيقة، لكن (أهل مكة أدرى بشعابها)، وأن مثقفي كل منطقة مسؤولون مسؤولية أدبية واجتماعية ووطنية عن تصحيح مسارات التجربة، لأن المثقف والكاتب والأديب هو الذي يُحدث التغيير الإيجابي بالوعي والمعرفة والمصداقية والحيادية والنقد البناء كما يطمع الوزير ويتطلع الجميع. التكتم والتعتيم يمثل خللًا مخلًا، ومعيارًا مقلوبًا، وكيلًا بمكيالين، ولا يمكن اعتباره ثقوبًا في ثوب التجربة الأولى نتيجة قلة الخبرة والسرعة، فلكل تجربة أدواتها وآلياتها وخبراؤها، خصوصًا التجربة الانتخابية في الأندية الأدبية. فالمسألة ليست (سبهللة) بل عمل جاد يُؤسِّس لحقبة جديدة مبنية على أسس ديمقراطية، العدالة، المساواة، والشفافية. فقدان الشفافية في أدبي جدة يمثله هذا التكتم والتعتيم على أعضاء الجمعية العمومية، وآلية التبليغ التي انتهجها أدبي جدة! إبلاغ المثقفين المقبولين في الجمعية العمومية من خلال رسائلsms وهي وسيلة محدودة الإعلام ويقتصر دورها على إعلام المرسل له فقط، كما لا يمكن اعتبارها (برسم الوصول) فهي غير مضمونة؛ لأن المرسل إليه ربما يكون مسافرًا وهاتفه مغلق، أو أن هاتفه فقد، أو أنه لم ينتبه للرسالة مع كم الرسائل المستقبلة قبل العيد خلال وصول رسالة النادي! كل ما سبق، عوائق محتملة، تضيع فرصة الانضمام إلى الجمعية العمومية وحق الترشح! كذلك من استلم الرسالة وعلم بانضمامه إلى الجمعية العمومية، لا يعلم من هم زملاؤه في الجمعية العمومية! أنا مثلًا لا أعرف «غيري»، وهذه المعرفة تحققت بعد وصول الرسالة، ثم عرفت اثنين من أعضاء الجمعية (صديقتي وزوجها) ولأني قمت بتقديم استمارة عضوية كل من العزيزتين، مها فتيحي، ومها عقيل، علمت أنهما لم يقبلا! مع أن مها فتيحي عضو اللجنة النسائية في أدبي جدة، صاحبة أول صالون أدبي في جدة، أحدث حراكًا فكريًا لم يحدثه أدبي جدة بتاريخه الطويل، وكان ملتقى المثقفات والإعلاميات والأديبات والسيدات من كل الشرائح، ومع هذا لم يفكر النادي في استثنائها كما فعل مع غيرها، ولا أعرف لماذا..؟! هل لا بد من أخذ إذن الوزارة إذا تعلَّق الأمر بسيّدة مُثقَّفة لها حضور طاغٍ في المشهد الثقافي، وهي نموذج متكامل للمثقفة السعودية وواجهة مشرفة؟! أما الإعلامية أ. مها عقيل، فالشروط تنطبق عليها تمامًا، فهي رئيس تحرير مجلة المؤتمر الإسلامي، ولها إصدار مهم حول (المرأة السعودية في الإعلام)، ولا أعرف لماذا لم تقبل؟ ثم يشكو النادي من عزوف المثقفين والمثقفات عن التقدم للنادي! عندما تقدمت للنادي في المرة الأولى، أرسلت الاستمارة والمرفقات عن طريق البريد الممتاز، إلا أني اكتشفت -بعد مرور ثلاثة أشهر- أن النادي لم يستلم المظروف كاملًا، فذهبت بنفسي للتقديم مرة ثانية، لذلك حرصت على أخذ استمارات العزيزتين مها/ ومها/ وتسليمها يدًا بيد كي لا تُفقد، لكن للأسف لم يقبلا -حتى كتابة المقال-، ولا بد للنادي أن يوضح أسباب الرفض كما يوضح أسباب الاستثناء، هذه هي الشفافية! النادي يتعامل مع مثقفين وأدباء؛ ولأن مجلس الإدارة الحالي يعتبر (مجلسًا انتقاليًا) فمن مصلحته أن يبادر إلى الشفافية إلا إذا أنزل قلاعه، وأرسى مراكبه ولا ينوي الإبحار بعيدًا عن مجلس الإدارة على المدى الطويل! لا أُشكِّك ولا أخوّن، ولا أُقلِّل من قدرة وكفاءة أحد، مع أن ما يحدث يفتح نافذة الشك على مصراعيها، كما أكد الكاتب عبدالرحمن الحبيب/ الحياة، أن (أكبر أزمة واجهت الانتخابات هي التشكيك في نزاهتها، وهذه لا تحل إلا عبر الشفافية وإعطاء الحق للمرشحين بمتابعة العملية الانتخابية في كل تفاصيلها من البداية حتى النهاية، والسماح للإعلام بذلك)، هي هذه الشفافية التي غابت حتى الآن عما يجري في أدبي جدة، فلا أحد يعلم شيئًا عن المقبولين والمرفوضين، ومن ينوي الترشح، ومن سيكتفي بالتصويت، ومَن ومَن ومَن..؟! وما إلى ذلك من تفصيلات كثيرة لا يعرفها غير الرئيس وربما قلة من مجلس الإدارة! الشفافية، تعني إعلان الأسماء في وسائل الإعلام المختلفة، وعلى موقع النادي، وإرسال رسائل إلكترونية إلى كل عضو تم قبوله في الجمعية العمومية، متضمنة أسماء الأعضاء المقبولين ومن تم استثناؤه ممن لا تنطبق عليهم الشروط. هي هذه الشفافية المفقودة في انتخابات أدبي جدة! إذا أردت الترشح -مثلًا- فأنا لا أعرف كيف أتواصل مع الأعضاء لإنجاح حملتي الانتخابية، بينما إذا أراد أحد من أعضاء مجلس الإدارة أو من هم على علاقة وطيدة بالمجلس الترشح، يمكنهم ببساطة معرفة من يمكنهم التواصل معه، وهذا غير عادل، ويتناقض مع الديمقراطية التي تعني المساواة وتكافؤ الفرص. أعتقد أن العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص تفترض استقالة المجلس الحالي، وتمنع ترشح أعضائه لهذه الفترة!