ممّا أثار القلق والعجب أنّ طليق الأخت يرفع قضية تطليق أخت زوجته من زوجها بدعوى عدم كفاءة النسب رغم أنّ زواجها تمّ بموافقة إخوتها طبقاً لوصية والدهم إلاّ أنّ القضية قُبلت، وكنتُ أحسب أنّ بعد الفصل في قضية طلاق فاطمة من منصور لعدم الكفاءة في النسب، بإعادتها لزوجها أنّ قضايا الطلاق لعدم كفاءة النسب ستُرفض في محاكمنا، ولكن بعد قبول محكمة المدينة دعوى التطليق المقدمة من طليق الأخت أقول إنّ العرف لدينا قد غلب على الدين، فالناس عند الله سواسية، وأكرمهم عنده أتقاهم، يوضح هذا قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)،وقوله صلى الله عليه وسلم:( الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي وأعجمي إلاَّ بالتقوى كلكم لآدم وآدم من تراب ) عن أبي حاتم المزني قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)،قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه .قال:(إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ) ثلاث مرات ، رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، والرسول عليه الصلاة والسلام قد زوَّج ابنة عمته زينب بنت جحش من مولاه زيد بن حارثة، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه زوَّج أخته لبلال الحبشي رضي الله عنه. والأحاديث المعوّل عليها في أحكام التطليق لعدم كفاءة النسب أحدها عن ابن عمر أنّ النبي عليه الصلاة والسلام قال:( العرب أَكْفَاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة، وحيٌّ لحيٍّ، ورجل لرجل إلا حائك أو حجام ) رواه الحاكم وله ألفاظ أخرى لا يصح منها شيء، وإن قال بعضهم: إنَّ الحاكم صححه، وماذا عسى يغني تصحيح الحاكم، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عنه، فقال: هذا كذب لا أصل له، وقال في موضع آخر: باطل، وقال ابن عبد البر: هذا منكر موضوع، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ولم يثبت في اعتبار الكفاءة في النسب حديث، وثانيها ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه:(العرب بعضهم أكفاء بعض، والموالي بعضهم أكفاء بعض) فإسناده ضعيف .نعم وورد في الصحيح ما يدل على فضل العرب، وفضل قريش على العرب وفضل بني هاشم على قريش، ولكن لم يرد ذلك في أمر الكفاءة . أمَّا الإمام أحمد بن حنبل فقد ضعَّفه، وعندما قيل له: كيف تأخذ به وأنت تضعفه ؟قال العمل عليه ،يعني أنّه ورد موافقًا لأهل العرف.{ ابن قدامة: المغني 377/7، المكتبة التجارية، مكةالمكرمة الطبعة الثانية ،عام 1417ه /1977م} وثالثها حديث: «لا يزوج النساء إلا الأولياء، ولا يُزوجنّ إلاّ من الأكفاء» فقد رواه البيهقي عن جابر رضي الله عنه لكن في إسناده الحجاج بن أرطأة، قال عنه الحافظ ابن حج: صدوق كثير الخطأ والتدليس، وهذا يؤكد ما ذكره ابن حجر في فتح الباري: لم يثبت في اعتبار الكفاءة في النسب حديث. أمّا الاستناد على حديث(لا ينكح النساء إلاّ الأكفاء، ولا يزوجهن إلاّ الأولياء) فهو حديث موضوع ،فقد قال أبو أحمد بن عدي:» هذا الحديث مع اختلاف ألفاظه في المُتون واختلاف إسناده باطل كله، لا يرويه إلاّ مبشر؛ قال أحمد: مبشر ليس بشيء، أحاديثه موضوعات كذب، يضع الحديث، وقال الدار قطني يكذب. [الإمام الجوزي : كتاب الموضوعات من الأحاديث المرفوعات ، حديث رقم 1264، 1265] ثمّ أنّ عقد الزواج لا يصح إلاّ بموافقة الزوجيْن، فكيف يُفسخ دون علمهما، ودون موافقتهما؟ ولكن محاكمنا تغلب العرف على الشرع في التطليق لعدم كفاءة النسب، وتطلق الزوجيْن دون علمهما ،ودون موافقتهما، وقد ورد إلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان على مدى خمس سنوات (44) قضية عدم الاعتراف بالزواج وطلب التطليق، وقضية تطليق فاطمة من منصور لعدم كفاءة النسب أثارت القلق ،بل الفزع من قبل بعض الأزواج؛ إذ أبدوا مخاوفهم من أن يُفاجأوا بتطليقهم من زوجاتهم إن نشب خلاف بينهم وبين آباء زوجاتهم أو إخوانهم بدعوى عدم تكافؤ النسب، وبعضهم فكَّر في الهجرة من الوطن مع زوجاتهم وأولادهم لئلا يحدث لهم ما حدث لفاطمة ومنصور، بل هناك أزواج وزوجات في حالات هروب لصدور أحكام قضائية لتطليقهم لعدم الكفاءة في النسب دون علمهم ودون رضاهم، ولديهم أطفال لا يستطيعون إلحاقهم بالمدارس، ولا يستطيعون العمل، خشية أن يُكشف أمرهم، ويُعثر عليهم، ويتم التفريق بينهم، فيعيشون على صدقات المتعاطفين معهم. فلابد من إعادة النظر في مدى متانة الأسانيد الشرعية التي يستند إليها موضوع الكفاءة في النسب؛ إذ أنّ تطبيقاته الحالية تصطدم بمبادئ الإسلام السامية الذي لا يفرق بين أعجمي وعربي وينطلق من كون الناس سواسية، فالتطبيقات القضائية الحالية لموضوع الكفاءة في النسب تخالف هذه المبادئ، وتخالف المواد من 9- 12 من النظام الأساسي للحكم التي تنضوي تحت الجزء المعنون ب «مقومات المجتمع السعودي» والتي تنص على «تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام»، كما تخالف المادة 8 من النظام ذاته والتي تنص على:» يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية».